جمال الحياة..في
معرفة الله
|
|
محمد بن مشعل العتيبي
|
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم ( أي شيء عرف من لم يعرف الله ورسله ، وأي حقيقة أدرك من فاتته هذه الحقيقة ، وأي علم أو عمل حصل لمن فاته العلم بالله والعمل بمرضاته ومعرفة الطريق الموصلة إليه ، وماله بعد الوصول إليه ) ابن القيم رحمه الله . إنها مقولة نورانية من طبيب القلوب العلامة الحبر شمس الدين ابن القيم رحمه الله ، تذكرتها وتأملتها في ظل عصرنا هذا الذي تنوعت فيه المعارف ، وتعددت فيه المشارب ، وأصبح العالم يقذف إلينا كل يوم معلومة جديدة ، واكتشاف حديث . شعرت أننا بحاجة ماسة جدا لتدبر هذه الكلمة الموفقة ، خصوصا في ظل ما يلاحظ حاليا من تمرد ظاهر على حدود الله ، وانتهاك صارخ لأعظم مايمكن أن يقدسه مسلم على وجه الأرض – الله تعالى وتقدس _ . إن القلوب إذا لم يحركها حادي معرفة الله عز وجل وتعظيمه ، فإن العطب سيتمكن منها ، والران سيكسوها ، فأي شيء يريده قلب لم يتعرف على الله عز وجل. إن الحياة المادية إذا استغرقنا فيها وابتعدنا عن تذكير القلوب بهذا المعنى المهم ( معرفة الله ) فإننا ولا شك سنستجلب الهموم والغموم ، ونبتعد عن التوفيق ، بل وعن لذة الحياة ، فأي لذة في حياة من لم يتعرف على الله ، أو غفل عن سبل معرفته . إن روح المؤمن إذا لم يحركها حادي الشوق إلى لقاء الله ، والتعرف عليه عز وجل ، بالقراءة في أسمائه وصفاته ، وتدبر كتابه ، فأي حادي سيوصلها إلى غياتها بعد ذلك ! وحتى نذكر أنفسنا ، ونتدارك تقصيرنا وتفريطنا دعونا نتأمل سويا شيء من كلام من عرف الله عز وجل – كما نحسبهم - ، لنعرف مدى تقصيرنا ، وتفريطنا في هذا الباب : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( والعلم بالله يراد به في الأصل نوعان : أحدهما : العلم به نفسه ، أي بما هو متصف به من نعوت الجلال والإكرام ، ومادلت عليه أسماؤه الحسنى . وهذا العلم إذا رسخ في القلب أوجب خشية الله لامحالة ، فإنه لابد أن يعلم أن الله يثيب على طاعته ، ويعاقب على معصيته ... والنوع الثاني : يراد بالعلم بالله : العلم بالأحكام الشرعية من الأوامر والنواهي ، والحلال والحرام ...) وقال رحمه الله ، في كلام بديع عن معرفة الله عز وجل : ( وهو - بحق – أفضل ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول ، وليست القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنة إلى شيء من الأشياء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر ...) وقال رحمه الله وكأنه يحكي عن حاله : ( إن اللذة والفرحة وطيب الوقت والنعيم الذي لايمكن التعبير عنه إنما هو في معرفة الله – سبحانه وتعالى – وتوحيده والإيمان به ...وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه ، ولاتمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه ) . وقال رحمه الله: ( والعبد كماله في أن يعرف الله فيحبه ، ثم في الآخرة يراه ويلتذ بالنظر إليه ) قال الإمام ابن القيم رحمه الله ( ولا ريب أن أجل معلوم وأعظمه وأكبره هو الله الذي لا إليه إلا هو رب العالمين ، وقيوم السموات والأرضين ، الملك الحق المبين ، الموصوف بالكمال كله ، المنزه عن كل عيب ونقص ...) وقال رحمه الله في موضع آخر : ( فكما أن عبادته مطلوبة مرادة لذاتها ، فكذلك العلم به ومعرفته أيضا ، فإن العلم من أفضل العبادات ) وقال أيضا في موضوع آخر : ( فالعلم بالله أصل كل علم ، وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله ومصالح دنياه وآخرته ، والجهل به مستلزم للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها وماتزكو به وتفلح ، فالعلم به سعادة العبد ، والجهل به أصل شقاوته ) وتكلم بكلام نوراني – كعادته - فقال رحمه الله: ( لاسعادة للعباد ولاصلاح لهم ، ولانعيم إلا بأن يعرفوا ربهم ويكون وحده غاية مطلوبهم ، والتعرف إليه قرة عيونهم ، ومتى فقدوا ذلك كانوا أسوأ حالا من الأنعام ، وكانت الأنعام أطيب عيشا منهم في العاجل وأسلم عاقبة في الآجل ) . بل لله دره عندما قال رحمه الله – وتأمل - : ( والفرح والسرور ، وطيب العيش والنعيم ، إنما هو في معرفة الله وتوحيده ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، واجتماع القلب والهمة عليه ، فإن أنكد العيش : عيش من قلبه مشتت ، وهمه مفرق عن ذلك ... فالعيش الطيب ، والحياة النافعة ، وقرة العين : في السكون والطمأنينة إلى الحبيب الأول ، ولو تنقل القلب في المحبوبات كلها لم يسكن ، ولم يطمئن ، ولم تقر عينه حتى يطمئن إلى إلهه وربه ووليه ، الذي ليس من دونه ولي ولا شفيع ، ولاغنى له عنه طرفة عين ) . وقال الإمام ابن رجب رحمه الله : ( أفضل العلم : العلم بالله وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله ، التي توجب لصاحبها مغفرة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه التوكل عليه والصبر عليه والرضا عنه والانشغال به دون خلقه ) . قال الإمام السعدي رحمه الله : ( وبحسب معرفته بربه يكون إيمانه ، فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه ، وكلما نقص نقص ، وأقرب طريق إلى ذلك : تدبر صفاته وأسمائه من القرآن ) . بعد هذه النقولات التي تبين أهمية معرفة الله عز وجل واللذة والثمرة التي يجدها المرء في ذلك ، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم : كيف نتعرف على الله عز وجل : وهو سؤال كبير ، ينبغي أن يكون شغلنا الشاغل خصوصا في ظل هذا البحر المتلاطم من الفتن ، ولعل الأصول الثلاثة التي يدور حلوها الجواب هي : 1- تدبر القرآن الكريم ، كلام الله عز وجل الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه . 2- العيش مع أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ، وتعلمها ، وتأملها ، وتدبر آثارها على حياتك . 3- كثرة العبادة وخصوصا عبادة التفكر والتقرب إلى الله عز وجل بأنواع العبادات . وختام المقال كما بدأته بنقل نوراني لابن القيم رحمه الله ، أختم بنقل آخر له : : قال رحمه الله : ( القرآن كلام الله، وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته، فتارة يتجلى في صفات الهيبة والعظمة والجلال، فتخضع الأعناق وتنكسر النفوس وتخشع الأصوات ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء. وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال وهو كمال الأسماء وجمال الصفات وجمال الأفعال الدال على كمال الذات، فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها بحب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله، فيصبح فؤاد عبده فارغا إلا من محبته، فإذا أراد منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه ذلك كل الإباء كما قيل :
يراد من القلب
نسيانكم *** وتأبى الطباع على الناقل
فتبقى المحبة له طبعا لا تكلفا، وإذا تجلى بصفات الرحمة والبر واللطف والإحسان انبعثت قوة الرجاء من العبد وانبسط أمله وقوي طمعه وسار إلى ربه وحادي الرجاء يحدو ركاب سيره، وكلما قوي الرجاء جد في العمل كما أن الباذر كلما قوي طمعه في المغل غلق أرضه بالبذر، وإذا ضعف رجاؤه قصر في البذر . وإذا تجلى بصفات العدل والانتقام والغضب والسخط والعقوبة انقمعت النفس الأمارة وبطلت، أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب واللهو واللعب والحرص على المحرمات، وانقبضت أعنة رعوناتها فأحضرت المطية حظها من الخوف الوخشية والحذر . وإذا تجلى بصفات الأمر والنهي والعهد والوصية وإرسال الرسل وإنزال الكتب شرع الشرائع، انبعثت منها قوة الامتثال والتنفيذ لأوامره والتبليغ لها والتواصي بها وذكرها وتذكرها، والتصديق بالخبر والامتثال للطلب والاجتناب للنهي . وإذا تجلى بصفة السمع والبصر والعلم انبعث من العبد قوة الحياء فيستحي ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى . وإذا تجلى بصفات الكفاية والحسب والقيام بمصالح العباد وسوق أرزاقهم إليهم ودفع المصائب عنهم ونصره لأوليائه وحمايته لهم ومعيته الخاصة لهم انبعثت من العبد قوة التوكل عليه والتفويض إليه والرضا به، وما في كل ما يجريه على عبده ويقيمه مما يرضى به هو سبحانه والتوكل معنى يلتئم من علم العبد بكفاية الله وحسن اختياره لعبده وثقته به ورضاه بما يفعله به ويختاره له . وإذا تجلى بصفات العز والكبرياء أعطت نفسه المطمئنة ما وصلت إليه من الذل لعظمته والانكسار لعزته والخضوع لكبريائه وخشوع القلب والجوارح له، فتعلوه السكينة والوقار في قلبه ولسانه وجوارحه وسمته ويذهب طيشه وقوته وحدته . وجماع ذلك أنه سبحانه يتعرف إلي العبد بصفات إلهيته تارة، وبصفات ربوبيته تارة، فيوجب له شهود صفات الإلهية المحبة الخاصة والشوق إلى لقائه والأنس والفرح به والسرور بخدمته والمنافسة في قربه والتودد إليه بطاعته واللهج بذكره والفرار من الخلق إليه، ويصير هو وحده همه دون ما سواه، ويوجب له شهود صفات الربوبية التوكل عليه والافتقار إليه والاستعانة به والذل والخضوع والانكسار له، وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته فى إلهيته، وإلهيته في ربوبيته، وحمده في ملكه، وعزه في عفوه، وحكمته في قضائه وقدره، ونعمته في بلائه وعطاءه في منعه وبره، ولطفه وإحسانه ورحمته في قيوميته، وعدله في انتقامه، وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجاوزه، ويشهد حكمته ونعمته في أمره ونهيه، وعزه في رضاه وغضبه، وحلمه في إمهاله، وكرمه في إقباله، وغناه في إعراضه . وأنت إذا تدبرت القرآن وأجرته من التحريف وأن تقضي عليه بآراء المتكلمين وأفكار المتكلفين أشهدك ملكا قيوما فوق سماواته على عرشه يدبر أمر عباده يأمر وينهى، ويرسل الرسل وينزل الكتب ويرضى ويغضب ويثيب ويعاقب ويعطي ويمنع ويعز ويذل ويخفض ويرفع يرى من فوق سبع، ويسمع ويعلم السر والعلانية فعال لما يريد موصوف بكل كمال منزه عن كل عيب لا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقه إلا بعلمه ولا يشفع زهد عنده إلا بإذنه ليس لعباده من دونه ولي ولا شفيع ). |
المذكّر
نشر العلم الصحيح المستمد من الكتاب والسنة وماكان عليه سلف هذه الامة
الجمعة، 17 مايو 2019
جمال الحياة في معرفة الله
الخميس، 16 مايو 2019
ومضات من حياة إمام الأنبياء
ومضات من حياة
إمام الأنبياء - صلى الله عليه وسلم-
|
|
عبد العزيز بن عبد الله الحسين
|
مقدمة : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) قال عمرو بن العاص –رضي الله عنه- (ما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا أجل في عيني منه , وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ، لأني لم أكن أملأ عيني منه) رواه مسلم. قد تعددت الأساليب والطرق قديماً وحديثاً في العناية بحياة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وسيرته وتقديمها للأمة واضحة جلية؛ إلا أني لما رأيت نيل الكفار منه –صلى الله عليه وسلم- في السنوات الأخيرة وتقصير الكثير منا في الدفاع عنه وعن نصرته؛ أحببت أن أعرض مواقفه المشرقة وصوراً من حياته الفذة بإيجاز؛ من أجل أن تكون من خير ما ينصره ويدافع عنه؛ وقد وضع هذا المختصر في خمسة موضوعات تحت كل واحد منها جملة من النقاط المختصرة، الأول: تعريف به صلى الله عليه وسلم. الثاني: يتضمن صفاته الخلقية. الثالث: يتضمن صفاته الخُلُقية. الرابع: ذكرت فيه بعضاً من أعماله. الخامس: ضمنته شيئاً من عاداته صلى الله عليه وسلم. وهذا مما ييسر الاطلاع عليه ومعرفة محتواه بسهولة ويسر من كافة أفراد المجتمع ، ومن ثم يتيسر الاقتداء به والتمثل بأخلاقه وسلوكه، ولعل هذا العمل اليسير يكون لبنة في مشروع أكبر بإذن الله تعالى. سائلاً المولى عز وجل أن يبارك في أعمالنا وأعمارنا ، وأن يرزقنا حسن التأسي بسيد الخلق –صلى الله عليه وسلم- وامتثال أمره في كل شؤون حياتنا . التعريف به صلى الله عليه وسلم: اسمه : هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، وهاشم من قبيلة قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل عليه السلام، ابن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. فهو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق ، فقومه أشرف قوم، وقبيلته أشرف قبيلة ،وفخذه أشرف الأفخاذ، وقد كان أعداؤه يشهدون له بعلوّ نسبه فيهم . ومن أسمائه الثابتة في أحاديث صحيحة: ( محمد، و أحمد ، وعبد الله ، وخاتم النبيين، ونبي الملاحم، والعاقب, والحاشر, والماحي) ذكره في القرآن: ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- في القرآن باسمه "محمد" في أربعة مواضع: في سورة آل عمران الآية (144)، والأحزاب الآية (40)، ومحمد الآية (2)، والفتح الآية (29)، وأما "أحمد" فجاءت حكاية عن عيسى عليه السلام في سورة الصف الآية (6). كنيته: (أبو القاسم). ولادته : ولد يوم الإثنين ، الثاني عشر من ربيع الأول في مكة . عن أبي قتادة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: ذاك يوم ولدت فيه) رواه مسلم . قال ابن القيم (لا خلاف أنه ولد –صلى الله عليه وسلم- بجوف مكة، وأن مولده كان عام الفيل). والده ووالدته : والد النبي –صلى الله عليه وسلم-: هو عبد الله؛ وهو المسمى بالذبيح؛ وقد توفي ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- جنين في بطن أمه. أمّ النبي –صلى الله عليه وسلم- هي: آمنة بنت وهب القرشية؛ وقد توفيت ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- له من العمر ست سنوات. نشأته: نشأ –صلى الله عليه وسلم- يتيماً فكفله جده عبد المطلب، ثم كفله عمه أبو طالب، وطهره الله عز وجل من دنس الجاهلية فلم يعظم صنماً في عمره قطّ, ولم يحضر مشهداً من مشاهد كفرهم وكانوا يطلبونه لذلك فيمتنع ويعصمه الله تعالى من ذلك، وهذا من لطف الله به أن برأه من كل عيب ومنحه كل خلق جميل. رضاعه: أرضعته –صلى الله عليه وسلم- ثويبة مولاة أبي لهب أياماً، ثم أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وأقام عندها في بادية بني سعد قرابة أربع سنين. زوجاته: هن أمهات المؤمنين، قال ابن القيم: "ولا خلاف أنه –صلى الله عليه وسلم- توفي عن تسع". وأسماؤهن: عائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وسودة بنت زمعة، وزينب بنت جحش، وأم سلمة هند بنت أبي أمية، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وميمونة بنت الحارث، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حيي بن أخطب. رضي الله عنهن جميعاً. أولاده : الذكور ثلاثة: القاسم، وعبد الله، وإبراهيم؛ وقد ماتوا صغاراً لم يتجاوزوا السنتين بالاتفاق. الإناث أربع: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة؛ وقد أدركن البعثة، ودخلن في الإسلام، وهاجرن مع النبي –صلى الله عليه وسلم-، ومات كل أولاده قبله إلا فاطمة فإنها ماتت بعده بستة أشهر. بعثته: لما كمل له -صلى الله عليه وسلم- أربعون سنة أشرق عليه نور النبوة وأكرمه الله برسالته وبعثه إلى خلقه، وجعله رسولاً إلى الناس كافة، فأقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى توحيد الله وعبادته وينذرهم الشرك، ثم هاجر إلى المدينة فمكث بها عشر سنين أقام بها دولة الإسلام وأمر الناس ببقية شرائع الدين الحنيف، ثم توفاه الله عز وجل وله من العمر ثلاث وستون سنة. هجرته: أقام النبي –صلى الله عليه وسلم- في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى الإسلام وعبادة الله وحده لا شريك له، ولما ازداد عناد كفار مكة وتكبرهم عن قبول دعوة الحق، رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يؤسس دولة الإسلام في المدينة ويقيم شريعة الله في الأرض، فهاجر إليها –صلى الله عليه وسلم- وكان دخوله إياها يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول. ولكون الهجرة النبوية أعزّ الله بها الإسلام وارتفعت راية الحق؛ فقد رأى عمر –رضي الله عنه- ومن معه من الصحابة أن يكون للمسلمين تاريخاً جديداً يؤرخون به يستعملونه في كتاباتهم. خصائصه : خصّ الله نبيه محمداً –صلى الله عليه وسلم- من بين سائر الأنبياء والمرسلين بخصائص منها: أنه خاتم النبيين، وصاحب المقام المحمود يوم القيامة، وكون رسالته إلى الثقلين الجن والإنس، ونزول القرآن الكريم الذي أذعن لإعجازه الإنس والجن، والإسراء به إلى بيت المقدس والمعراج إلى السموات العلى إلى سدرة المنتهى إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام. ومن الخصائص التي خصّ الله بها نبيه –صلى الله عليه وسلم - على هذه الأمة: أنها فرضت عليه أشياء لم تفرض على غيره وحرمت عليه أفعال لم تحرم على سائر أمته وحللت له أشياء لم تحلل لهم, ومن أمثلة ذلك: تحريم الزكاة عليه وعلى آله ووجوب التهجد بالليل عليه, والزيادة على أربعة نسوة, وأنه لا يورث. فضائله: عن وائلة بن الأسقع –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله عز وجل اصطفى كنانة من ولد إسماعيل عليه السلام, واصطفى قريشاً من كنانة, واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم" رواه مسلم. وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم, ونصرت بالرعب, وأحلت لي الغنائم, وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا, وأرسلت إلى الخلق كافة, وختم بي النبيون". متفق عليه. وفاته: وتوفي رسول الله –صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين 12/3/11هـ وله من العمر ثلاث وستون سنة، ولما توفي دخل عليه أبو بكر –رضي الله عنه- فقبله بين عينيه وقال طبت حياً وميتاً يا رسول الله، ولما أدرج –صلى الله عليه وسلم- في أكفانه وُضع على شفير القبر ثم دخل الناس أرسالاً يصلون عليه فوجاً فوجاً لا يؤمهم أحد، ثم دفن –صلى الله عليه وسلم-، قال أنس –رضي الله عنه-: " لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا أيدينا من التراب إلا وقد أنكرنا قلوبنا"، ويختص النبي –صلى الله عليه وسلم- ببعض الخصائص مما يتعلق بوفاته منها: أنه يقبر حيث يموت، وأن الأرض لا تأكل جسده، قال –صلى الله عليه وسلم-: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) رواه أبو داود وصححه الألباني. قبره: قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- في حجرة عائشة رضي الله عنها، وكانت حجرتها بجانب المسجد النبوي, فلما مات أبو بكر وعمر رضي الله عنهما دفنا بجانبه في حجرة عائشة, وبقي القبر على حاله تلك زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم, فلما كان زمن الدولة الأموية أراد الخليفة الوليد بن عبد الملك أن يقوم بتوسعة المسجد النبوي من جهة الشرق فوسعه فأحاط المسجد بالقبر من ثلاث جهات وذلك سنة 88 هـ, ولا يزال قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- على هذه الحال غير داخل في المسجد لأن المسجد لم يحط به من جميع الجهات وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- : " اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". صفاته الخَلْقية: صفته: كان –صلى الله عليه وسلم- معتدل القامة ليس بالطويل ولا بالقصير، ولم تكن بشرته شديدة البياض ولم يكن أسمر بل كان بياضه إلى السمرة مشرباً بحمرة، وكان حسن الجسم بعيد ما بين المنكبين، وكان في وجهه تدوير، شديد سواد العينين طويل أهدابهما ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر حسن الصوت، وكان كثيف اللحية أشعر المنكبين والذراعين وأعالي الصدر. خاتم نبوته : عن السائب –رضي الله عنه- قال : " نظرت إلى الخاتم بين كتفي النبي –صلى الله عليه وسلم- فإذا هو مثل زرّ الحجلة "أي أن الخاتم في ظهره الشريف قطعة لحم ظاهرة قدر بيضة الحمامة. ضحكه: عن عبد الله بن الحارث –رضي الله عنه- قال: ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. وعنه قال: "ما كان ضحك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا تبسماً" رواه أحمد وصححه الألباني. عن جرير –رضي الله عنه- قال: "ما حجبني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم" رواه البخاري ومسلم. كلامه : كان –صلى الله عليه وسلم- طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وكان يتكلم بكلام مفصل ليس بهذٍّ مسرع لا يحفظ، ولا منقطع تتخلله السكتات، عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: "كان كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلاماً فصلا يفهمه كل من سمعه " رواه أبو داود وصححه الألباني، "وكان يتكلم بكلام بيّن يحفظه من جلس إليه" رواه البخاري ومسلم، "وكان ربما يعيد الكلمة ثلاثاً لتعقل عنه" رواه البخاري. مشيه : كان أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها, وكان يمشي حافياً ومنتعلاً، وكان إذا مشى لم يلتفت، وكان يمشي مشياً يعرف فيه أنه ليس بعاجز ولا كسلان. (السلسلة الصحيحة للألباني) . جماله: عن أبي الطفيل –رضي الله عنه- (وكان آخر من مات من الصحابة) قال: رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وما على وجه الأرض رجل رآه غيري، رأيته أبيض مليح الوجه". رواه مسلم. عن البراء –رضي الله عنه- قال: " كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير" رواه البخاري. وعن كعب بن مالك –رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا سرّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر" متفق عليه. صفاته الخُلُقية: ظنّه بالله: عن جابر –رضي الله عنه- قال سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاثة أيام يقول: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى" رواه مسلم. والنبي –صلى الله عليه وسلم- أقرب عباد الله إلى الله وأزكاهم عنده، وهو الذي سبق إلى كل خير واقترب من كل فضل، وكان يوصي أصحابه ومن بعدهم بالظن الحسن بالله عز وجل. وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم- "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" رواه البخاري ومسلم. خُلُقه: عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- وكان صبياً قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من أحسن الناس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله –صلى الله عليه وسلم-، فخرجت حتى أمُرّ على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد قبض بقفاي من ورائي، قال، فنظرت إليه وهو يضحك، فقال : يا أنيس : ! هل ذهبت حيث أمرتك؟ قال قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله! قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين، ما علمته قال لشيء صنعته: لما فعلت كذا؟ أو لشيء تركته: هلا فعلت كذا". رواه مسلم. حياؤه: قال أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه-: "كان النبي –صلى الله عليه وسلم- أشد حياءً من العذراء في خدرها, فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه) رواه مسلم. بكاؤه : عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: (قرأت على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سورة النساء حتى بلغت "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا" قال: فرأيت عيني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تذرفان) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله –رضي الله عنه- قال: (أتيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المِرجَل من البكاء). رواه أبو داود وصححه الألباني. بركته : عن جابر –رضي الله عنه- قال عطش الناس يوم الحديبية وبين يدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إناء يتوضأ منه إذ جهش الناس نحوه، فقال: مالكم؟ فقالوا: ما لنا ما نتوضأ به ولا نشرب إلا ما بين يديك، قال: فوضع النبي –صلى الله عليه وسلم- يديه في الإناء ودعا بما شاء الله أن يدعو، وقال: "حي على الوضوء والبركة من الله"، قال جابر: فلقد رأيت الماء يجري من تحت يده، فتوضأ الناس وشربوا، فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه، فعلمت أنه بركة، فقيل لجابر كم كنتم يومئذ؟ قال: ألفاً وأربعمائة. رواه البخاري. أمانته : كان النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى قبل الرسالة يعرف في قومه بالأمين (أي رجل الصدق والوفاء) في أقواله وأفعاله وأخلاقه وسلوكه، وشهد له بذلك العدو قبل الصديق؛ ولا أدل على ذلك أنه حين أُمر بالهجرة من مكة إلى المدينة وأراد مفارقة البلد التي عاش فيها؛ جعل علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- في بيته ليردّ الودائع التي كانت عنده لأهلها. شجاعته: قال علي –رضي الله عنه- (كنا إذا اشتدّ البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله –صلى الله عليه وسلم- فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه) رواه أحمد وصححه الألباني. وسأل رجل البراء-رضي الله عنه-: أفررتم عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يوم حنين يا أبا عمارة ؟! فقال البراء : لكن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لم يفر، ولكن الناس تلقتهم هوازن بالنبل فانهزموا، ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- مقبل على العدو بوجهه على بغلته البيضاء وهو يقول: أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب " متفق عليه . صبره واحتماله أذى الناس : عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: "قسم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قسماً بين الناس، فقال رجل: إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، فغضب النبي –صلى الله عليه وسلم- من ذلك غضباً شديداً واحمرّ وجهه ثم قال: لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر" متفق عليه. رحمته : عن أبي هريرة –رضي الله عنه- : أن الأقرع بن حابس أبصر النبي –صلى الله عليه وسلم- يقبل الحسن بن علي فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم ! فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من لا يَرحم لا يُرحم". رواه مسلم. وعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: "ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-" رواه مسلم . وعن جرير –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل". رواه مسلم. تفاؤله: عن أنس –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح، قيل وما الفأل؟ قال: الكلمة الحسنة الكلمة الطيبة يسمعها أحدكم". تواضعه: عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يخيط ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته ويخدم نفسه ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم". رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وعن سهل بن حنيف –رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم " أخرجه الحاكم وصححه الألباني. وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويحلب الشاة ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير" أخرجه الطبراني وصححه الألباني. وعن أبي أيوب –رضي الله عنه- قال: " كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يركب الحمار ويخصف النعل ويرقع القميص ويقول من رغب عن سنتي فليس مني" رواه أبو الشيخ وصححه الألباني. توكله: توكل النبي –صلى الله عليه وسلم- على الله أعظم التوكل وقد قال الله له: "فتوكل على الله إنك على الحق المبين" وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال "حسبنا الله ونعم الوكيل" قالها إبراهيم –عليه الصلاة والسلام- حين ألقي في النار، وقالها محمد –صلى الله عليه وسلم- حين قالوا له: "إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل". رواه البخاري. ثباته: لقد لقي النبي –صلى الله عليه وسلم- بمكة من قريش كلّ أذى ووجد منهم كل معاناة، وربط على بطنه من شدة الجوع وسال دمه في الله، وهو يواجه كيد الكافرين بثبات يهز الجبال وعزم لا يتوقف عند حدّ فقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- أكبر من أن يذل في الشدائد حتى وهو مطلوب من أعدائه، وصبر وصابر على البأساء والضراء ولم يضعف عند قوي أو يتردد عند عظيم، عن أنس رضي الله عنه قال: " قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لقد أُخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أُوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين ليلة ويوم ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال" رواه الترمذي وصححه الألباني. ثناؤه وعن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه – قال "قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "إن أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً" رواه مسلم. وعن سلمة بن الأكوع –رضي الله عنه- قال: قدمنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم - الحديبية، ثم خرجنا راجعين إلى المدينة فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة" رواه مسلم. وعن أبي أسيد –رضي الله عنه - قال قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "خير دور الأنصار بنو النجار" رواه مسلم. حلمه: عن أنس –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت فيه حاشية الرداء من شدة جبذته؛ ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فضحك وأمر له بعطاء متفق عليه. وباع يهودي على النبي –صلى الله عليه وسلم - بيعاً إلى أجل، فجاء اليهودي يريد أن يتقاضى حقه قبل الأجل، فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يحل الأجل، فقال اليهودي: إنكم لمطل يا بني عبد المطلب، فهم به الصحابة –رضي الله عنهم- فنهاهم، فلم يزده ذلك إلا حلماً، فقال اليهودي: كل شيء منه قد عرفته من علامات النبوة وبقيت واحدة وهي أنه لا تزيده شدة الجهل إلا حلماً فأردت أن أعرفها، فأسلم اليهودي. رواه ابن حبان وصحح إسناده ابن حجر. جوده: عن أنس –رضي الله عنه- قال: ما سئل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على الإسلام شيئاً إلا أعطاه. قال: فجاءه رجل, فأعطاه غنماً بين جبلين, فرجع إلى قومه فقال: يا قوم! أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، قال أنس –رضي الله عنه-: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا, فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها. رواه مسلم. وعن جبير –رضي الله عنه - قال: بينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- راجعاً من غزوة حنين؛ طفق الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى شجرة فخطفت رداءه، فوقف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال أعطوني ردائي؛ فوالله لو كان لي عدد هذه العضاه (الشجر) نعماً لقسمته بينكم؛ ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً" رواه البخاري. دعاؤه: قد كان –صلى الله عليه وسلم- يتخير من الدعاء أجمعه كما جاء عن عائشة –رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك "رواه أبو داود وصححه الألباني، وعن أنس –رضي الله عنه- قال: "كان أكثر دعوة يدعو بها النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". متفق عليه. ذكره لله: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه" رواه مسلم. وعن أبي هريرة –رضي الله عنه - قال " سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" رواه البخاري، وعن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: "كنا نعدّ لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد مائة مرة: "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم" رواه أبو داود وصححه الألباني. وعن أبي هريرة –رضي الله عنه - قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس" رواه مسلم. زهده في الدنيا: عن النعمان –رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا يجد ما يملأ بطنه من الدقل وهو جائع" أخرجه الحاكم وصححه الألباني . وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: "كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله, لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير" رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني. وعن أنس –رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يؤتى بالتمر فيفتشه يخرج السوس منه" أخرجه أبو داود وصححه الألباني. وكان –صلى الله عليه وسلم- يؤثر الناس على نفسه، فيعطي العطاء ويمضي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار، وكان متقللاً من الدنيا وقد ملك من أقصى الجزيرة إلى حدود الشام. سماحته: قال أنس –رضي الله عنه - (خدمت رسول الله –صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، والله ما قال لي أفٍّ قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهل فعلت كذا؟. متفق عليه. عبادته : عن المغيرة بن شعبة –رضي الله عنه - أن النبي –صلى الله عليه وسلم- صلى حتى تورمت قدماه ، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً" متفق عليه. عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه" متفق عليه. مزاحه: عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهر وكان يهدي إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- هدية من البادية, فيجهزه النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يخرج, فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: إن زاهراً باديتنا, ونحن حاضروه, وكان –صلى الله عليه وسلم- يحبه وكان رجلاً دميما فأتاه النبي –صلى الله عليه وسلم- يوماً وهو يبيع متاعه, فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره, فقال: من هذا؟ أرسلني. فالتفت, فعرف النبي –صلى الله عليه وسلم-, فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي –صلى الله عليه وسلم- حين عرفه, فجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: (من يشتري هذا العبد؟). فقال: يا رسول الله! إذاً والله تجدني كاسداً. فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (لكن عند الله لست بكاسد) أو قال (أنت عند الله غالٍ) رواه أحمد وصححه الألباني. وعن أبي هريرة –رضي الله عنه - قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إني لأمزح ولا أقول إلا حقا" رواه الترمذي وصححه الألباني. وعن الحسن –رضي الله عنه- قال: أتت عجوز على النبي –صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة. فقال: (يا أم فلان! إن الجنة لا تدخلها عجوز) قال: فولت تبكي فقال: (أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز, إن الله تعالى يقول: (إنا أنشأناهن إنشاءً. فجعلناهن أبكاراً. عرباً أتراباً) أخرجه الطبراني والبيهقي وحسنه الألباني. يقينه بالله: لما جدّت قريش في طلب النبي –صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر –رضي الله عنه- بحثوا عنهما في كل مكان: وانتهوا إلى باب "غار ثور" فوقفوا عليه، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر يسمعان كلامهم فوق رؤوسهما ، ولكن الله سبحانه عمّى أبصارهم عن رؤيتهما، فقال أبو بكر –رضي الله عنه-: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر ما تحت قدميه لأبصرنا، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- "يا أبا بكر ما ظنّك باثنين الله ثالثهما ... لا تحزن إن الله معنا" .متفق عليه. وقد قال الله عز وجل في كتابه: "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ... والله عزيز حكيم" [التوبة:40]. بلاغته وفصاحته : كان محمداً –صلى الله عليه وسلم- أفصح الخلق، وأعذبهم كلاماً، وكان يتكلم بجوامع الكلم، وكان يختار في خطابه أحسن الألفاظ، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "بعثت بجوامع الكلم" رواه البخاري ومسلم، أي يجمع الله له المعاني الكثيرة باللفظ القليل. أعماله: غزواته وسراياه : ما بدأ النبي –صلى الله عليه وسلم- حرباً قط , إذ كان حريصاً ألا يراق دم إنسان فهو نبي الرحمة , ولقد كان عظيماً في رحمته بالناس عظيماً في استعداده للحرب , عظيماً في خططه عظيماً في تحقيق النصر واستثماره ، ولقد غزى بنفسه خمساً وعشرين غزوة ، من أهمها الغزوات العشر الكبرى: (1) غزوة بدر الكبرى : رمضان 2 هـ (2) غزوة أحد : شوال 3 هـ . (3) غزوة الخندق : شوال 5 هـ (4) غزوة بني قريظة : ذو القعدة 5 هـ (5) صلح الحديبية : ذو القعدة 6هـ (6) غزوة خيبر : محرم 7 هـ (7) غزوة مؤتة : جماد الأولى 8 هـ (8) فتح مكة : رمضان 8 هـ (9) غزوة حنين والطائف : شوال 8 هـ (10) غزوة تبوك : رجب 9 هـ وأما سراياه فكانت ستاً وخمسين سرية . حجه وعمرته: لم يحج -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة هي حجة الوداع بعد أن فرض الله الحج في السنة التاسعة من الهجرة، فبادر النبي –صلى الله عليه وسلم- بالحج من غير تأخير ، وكان قد حج قبل الهجرة مرتين . رواه الترمذي وصححه الألباني .، وقد اعتمر –صلى الله عليه وسلم- أربع مرات كلهن في شهر ذي القعدة إلا التي مع حجته. متفق عليه. كتابه: أنزل الله كتباً على بعض أنبيائه, فأنزل صحفه على إبراهيم –عليه السلام-, وأنزل الزبور على نبيه داود –عليه السلام-, وأنزل التوراة على نبيه موسى –عليه السلام-, وأنزل الإنجيل على نبيه عيسى –عليه السلام-, وأنزل القرآن على نبيه ورسوله محمد –صلى الله عليه وسلم-. مؤذنوه: له أربعة من المؤذنين: بلال بن رباح، وعبد الله بن أم مكتوم بالمدينة، وأبو محذورة بمكة، وسعد القرظ بقباء -رضي الله عنه-. خدمه: منهم أنس بن مالك وربيعة بن كعب وأبو ذر الغفاري وعبد الله بن مسعود –رضي الله عنهم-. شعراؤه: كان من شعرائه الذين يذبّون عن الإسلام: كعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت –رضي الله عنهم-. سلاحه: كان للنبي –صلى الله عليه وسلم- ثلاثة رماح، وثلاثة أقواس، وستة أسياف، ودرعان، وترس، وراية سوداء مربعة ولواء أبيض. دوابه: كان للنبي –صلى الله عليه وسلم- عدة أفراس، فأول فرس ملكه يسمى "السّكب"، وله بغلة تسمى "دُلدل" كان يركبها في الأسفار وعاشت بعده حتى كبرت سنها وقاتل عليها علي بن أبي طالب الخوارج، وكان له ناقته "القصواء" ، وله حمار يقال له "عفير" مات في حجة الوداع. تعليمه: عن معاوية –رضي الله عنه- قال في الرسول –صلى الله عليه وسلم-: ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه. رواه مسلم. وقد كان –صلى الله عليه وسلم- يعطي في تعليمه كل واحد حقه من الالتفات إليه والعناية به حتى يظن كل واحد منهم أنه أحبّ الناس إليه ، وكان أتم ما يكون تواضعاً للمتعلم والسائل المستفيد وضعيف الفهم. وقد شهد التاريخ بكمال شخصيته التعليمية حتى قيل : إنه لو لم يكن لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- معجزة إلا أصحابه لكفوه لإثبات نبوته . عاداته: طعامه: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- لايردّ موجوداً ولا يتكلف مفقوداً؛ فما قرّب إليه شيء من الطيبات إلا أكله؛ إلا أن تعافه نفسه؛ فيتركه من غير تحريم، وما عاب طعاماً قط؛ إن اشتهاه أكله وإلا تركه، وكان يحب أكل الحلوى والعسل، وأكل لحم الجزور والضأن والدجاج والحبارى والأرنب وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرطب والتمر... وغير ذلك، وكان معظم مطعمه يوضع على الأرض في السفرة، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقها إذا فرغ، ولا يأكل متكئاً، وكان يسمي الله تعالى أول طعامه، ويحمده في آخره. شرابه : عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان أحب الشراب إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الحلو البارد". رواه الترمذي وصححه الألباني . وعن أنس –رضي الله عنه-: قال: "كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا شرب تنفس ثلاثاً ويقول: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ "متفق عليه وكان من هديه المعتاد الشرب قاعداً، ويسمي بالله في أوله ويحمد الله في آخره. سواكه: كان يحب السواك وكان يستاك مفطراً وصائماً, ويستاك عند الانتباه من النوم وعند الوضوء وعند الصلاة وعند دخول المنزل. كحله: وكان –صلى الله عليه وسلم- يكتحل ثلاثاً وقال: خير أكحالكم الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر. رواه أبو داود وصححه الألباني. طيبه: قد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يكثر التطيب ويحب الطيب، ولا يرده إذا قدم إليه، وكان أحب الطيب إليه المسك، وكان يعرف بريح الطيب إذا أقبل. رواه الدارمي وصححه الألباني. عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: "ما شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-". لباسه: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: " كان أحب الثياب إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القميص" رواه أبو داود وصححه الألباني، وكان كم قميص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى الرسغ (مفصل الكف) وكان يلبس ما تيسر من لباس: من الصوف تارة والقطن تارة والكتان تارة. بيعه وشراؤه: باع –صلى الله عليه وسلم- واشترى، وكان شراؤه بعد أن أكرمه الله برسالته أكثر من بيعه، وكذلك بعد الهجرة لا يكاد يحفظ عنه البيع إلا في قضايا يسيرة أكثرها لغيره، وأما شراؤه فكثير، ويحفظ عنه أنه أجر نفسه قبل النبوة في رعاية الغنم، وأجر نفسه من خديجة في سفره بمالها إلى الشام واتجاره به حتى نما مالها وكثر. (زاد المعاد). حجامته : عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: "احتجم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقال: إن من أمثل ما تداويتم به الحجامة" رواه البخاري ومسلم، وعنه –رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين" رواه الترمذي وصححه الألباني. غضبه: عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: رخّص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في أمر من الأمور، فتنزه عنه ناس من الناس، فبلغ ذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- فغضب حتى بان الغضب في وجهه ثم قال: "ما بال أقوام يرغبون عما رخّص لي فيه؟! فوالله لأنا أعلمهم بالله، وأشدهم له خشية". وصاياه عند موته: عن جابر –رضي الله عنه- قال سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاثة أيام يقول: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى" رواه مسلم. وكان من أقواله –صلى الله عليه وسلم- التي قالها في أيامه الأخيرة حين أحس بدنو أجله قوله: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا) رواه البخاري ومسلم. (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب). رواه البخاري ومسلم. (إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا يراها المؤمن الصالح أو ترى له) صحيح مسلم. وكان عامة وصيته –صلى الله عليه وسلم- حين حضره الموت قوله: "الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة وما ملكت أيمانكم... حتى جعل يغرغر بها صدره ولا يفيض بها لسانه –صلى الله عليه وسلم-". رواه ابن ماجه وصححه الألباني. ختاماً :
لو رآك محمد –صلى الله عليه وسلم- لأحبك
قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "وددت أني لقيت
إخواني، قال الصحابة: أو ليس نحن إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين
آمنوا بي ولم يروني" رواه أحمد وصححه الألباني.
بين يديك أخي المسلم (10) وسائل لنصرة نبيك محمد –صلى الله عليه وسلم- فلعلك تقوم بمستطاعك منها: (1) الاقتداء به –صلى الله عليه وسلم- في معاملته لأهل بيته، ومع أهله وجيرانه. (2) تربية الأبناء على محبته –صلى الله عليه وسلم- . (3) إجلال النبي –صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه ومحبته أكثر من محبة النفس والأهل. (4) الحرص على الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- كلما ذكر، وبعد الأذان، ويوم الجمعة. (5) قراءة سيرته والاهتداء بهديه –صلى الله عليه وسلم- وربطها بحياتنا وواقعنا. (6) طباعة الكتب وتوزيع الأشرطة التي تعنى بحياته –صلى الله عليه وسلم- . (7) بغض أي منتقد للنبي –صلى الله عليه وسلم- أو لشيء من سنته. (8) مقاطعة كل بلد يسيء للإسلام والمسلمين. (9) محبة العلماء وتقديرهم لمكانتهم وصلتهم بميراث النبوة. (10) الفرح بظهور سنته -صلى الله عليه وسلم- بين الناس .
من حقوق النبي –صلى الله عليه وسلم- على أمته:
(1) الإيمان
به –صلى الله عليه وسلم- كما أمر الله في كتابه "فآمنوا بالله ورسوله النبي
الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون" [الأعراف: 158].
(2) طاعته –صلى الله عليه وسلم- وامتثال أمره، واتباعه والاقتداء بسنته. (3) احترامه وتوقيره وتعظيمه، وتقديم محبته على محبة كل أحد. (4) وجوب التحاكم إليه والرضا بحكمه، كما قال الله تعالى" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" [النساء:65]. والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
اعرف نبيك صلى الله عليه وسلم
اعرف نبيك صلى
الله عليه وسلم
|
|
دار الوطن
|
الحمد لله الذي أوضح لنا سبيل الهداية، وأزاح عن بصائرنا ظلمة الغواية، والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى، المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للمالكين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها المسلمون: إن من خير ما بذلت فيه الأوقات، و شغلت به الساعات هو دراسة السيرة النبوية العطرة، والأيام المحمدية الخالدة، فهي تجعل المسلم كأنه يعيش تلك الأحداث العظام التي مرت بالمسلمين، وربما تخيل أنه واحد من هؤلاء الكرام البررة التي قامت على عواتقهم صروح المجد ونخوة البطولة. وفي السيرة يتعرف المسلم على جوانب متعددة من شخصية النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ، وأسلوبه في حياته ومعيشته، ودعوته في السلم والحرب. وفيها أيضاً: يتلمس المسلم نقاط الضعف والقوة؛ وأسباب النصر والهزيمة، وكيفية التعامل مع الأحداث وإن عظمت. وبدراسة السيرة النبوية يستعيد المسلمون ثقتهم بأنفسهم، ويوقنون بأن الله معهم وناصرهم، إن هم قامو بحقيقة العبودية، له والانقياد لشريعته: { إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد:7]، { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [غافر:51]. { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج:40]. وهذه عبارة عن رؤوس أقلام وجمل يسيرة في سيرة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، قصد بها فتح الطريق أمام ناشئة المسلمين وشبيبتهم لدراسات أعمق لهذه السيرة النبوية الخالدة. قال الله تعالى: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ } [الفتح:29]. نسبه صلى الله عليه وسلم : هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا هو المتفق عليه في نسبه صلى الله عليه وسلم واتفقوا أيضاً أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام. أسماؤه صلى الله عليه وسلم : عن جبير بن مطعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: { إن لي أسماء، وأنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميَّ، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد } [متفق عليه]. وعن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: { أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة } [مسلم]. طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم : اعلم رحمني الله وإياك أن نبينا المصطفى على الخلق كله قد صان الله أباه من زلة الزنا، فولد صلى الله عليه وسلم من نكاح صحيح ولم يولد من سفاح، فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم } [مسلم]، وحينما سأل هرقل أبا سفيان عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { هو فينا ذو نسب، فقال هرقل: كذلك الرسل تبعث في نسب قومها } [البخاري]. ولادته صلى الله عليه وسلم : ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، قيل في الثاني منه، وقيل في الثامن، وقيل في العاشر، وقيل في الثاني عشر. قال ابن كثير: والصحيح أنه ولد عام الفيل، وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري، وخليفة بن خياط وغيرهما إجماعاً. قال علماء السير: لما حملت به آمنة قالت: ما وجدت له ثقلاً، فلما ظهر خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب. وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدلٌ في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك، دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت، انه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام } [أحمد والطبراني]. وتوفي أبوه صلى الله عليه وسلم وهو حَمْل في بطن أمه، وقيل بعد ولادته بأشهر وقيل بسنة، والمشهور الأول. رضاعه صلى الله عليه وسلم : أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أياماً، ثم استُرضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية، وأقام عندها في بني سعد نحواً من أربع سنين، وشُقَّ عن فؤاده هناك، واستخرج منه حظُّ النفس والشيطان، فردته حليمة إلى أمه إثر ذلك. ثم ماتت أمه بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة وهو ابن ست سنين، ولما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح، استأذن ربّه في زيارة قبر أمه فأذن له، فبكى وأبكى من حوله وقال: { زوروا القبور فإنها تذكر بالموت } [مسلم]. فلما ماتت أمه حضنته أم أيمن وهي مولاته ورثها من أبيه، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر ثماني سنين توفي جده، وأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره وآزره حين بعثه الله أعزّ نصر وأتم مؤازرة مع أنه كان مستمراً على شركه إلى أن مات، فخفف الله بذلك من عذابه كما صح الحديث بذلك. صيانة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من دنس الجاهلية: وكان الله سبحانه وتعالى قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلقٍ جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوه من طهارته وصدق حديثه وأمانته، حتى أنه لما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره، فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوبٍ، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه صلى الله عليه وسلم . [أحمد والحاكم وصححه]. زواجه صلى الله عليه وسلم : تزوجته خديجة وله خمس وعشرون سنة، وكان قد خرج إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، وما كان يتحلى به من الصدق والأمانة، فلما رجع أخبر سيدته بما رأى، فرغبت إليه أن يتزوجها. وماتت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت، فلما ماتت خديجة رضي الله عنها تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة، ثم تزوج صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ولم يتزوج بكراً غيرها، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث رضي الله عنها، وتزوج أم سلمة واسمها هند بنت أمية رضي الله عنها، وتزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها، ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، ثم تزوج أم حبيبة رضي الله عنها واسمها رملة وقيل هند بنت أبي سفيان. وتزوج إثر فتح خيبر صفية بنت حييّ بن أخطب رضي الله عنها، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وهي آخر من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم . أولاده صلى الله عليه وسلم : كل أولاده صلى الله عليه وسلم من ذكر وأنثى من خديجة بنت خويلد، إلا إبراهيم، فإنه من مارية القبطية التي أهداها له المقوقس. فالذكور من ولده: القاسم وبه كان يُكنى، وعاش أياماً يسيرة، والطاهر والطيب. وقيل: ولدت له عبدالله في الإسلام فلقب بالطاهر والطيب. أما إبراهيم فولد بالمدينة وعاش عامين غير شهرين ومات قبله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر. بناته صلى الله عليه وسلم : زينب وهي أكبر بناته، وتزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها، ورقية تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفاطمة تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأنجبت له الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأم كلثوم تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد رقية رضي الله عنهن جميعاً. قال النووي: فالبنات أربع بلا خلاف. والبنون ثلاثة على الصحيح. مبعثه صلى الله عليه وسلم : بعث صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فنزل عليه الملك بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وكان إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه وتغيّر وجهه وعرق جبينه. فلما نزل عليه الملك قال له: اقرأ.. قال: لست بقارئ، فغطاه الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم قال له: اقرأ.. فقال: لست بقارئ ثلاثاً. ثم قال: { اقْرأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذي خَلَقَ، خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق:1-5]. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة رضي الله عنها يرتجف، فأخبرها بما حدث له، فثبتته وقالت: أبشر، وكلا والله لا يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحملُّ الكَلَّ، وتعين على نوائب الدهر. ثم فتر الوحي، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئاً، فاغتم لذلك واشتاق إلى نزول الوحي، ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسيّ، وثبته، وبشره بأنه رسول الله حقاً، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف منه وذهب إلى خديجة وقال: زملوني.. دثروني، فأنزل الله عليه: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّر، وَثِيَابَكَ فَطَهِّر } [المدثر:1-4]. فأمر الله تعالى في هذه الآيات أن ينذر قومه، ويدعوهم إلى الله، فشمَّر صلى الله عليه وسلم عن ساق التكليف، وقام في طاعة الله أتم قيام، يدعو إلى الله تعالى الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة ممن أراد الله تعالى فوزهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فدخلوا في الإسلام على نور وبصيرة، فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة، وصان الله رسوله وحماه بعمه أبي طالب، فقد كان شريفاً مطاعاً فيهم، نبيلاً بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من محبته له. قال ابن الجوزي: وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نزل عليه: { فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر } [الحجر:94]. فأعلن الدعاء. فلما نزل قوله تعالى: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشعراء:214]، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف ( يا صباحاه! ) فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد! فاجتمعوا إليه فقال: ( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا ما جربنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام، فنزل قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبْ } إلى آخر السورة. [متفق عليه]. صبره صلى الله عليه وسلم على الأذى: ولقي صلى الله عليه وسلم الشدائد من قومه وهو صابر محتسب، وأمر أصحابه أن يخرجوا إلى أرض الحبشة فرارا من الظلم والاضطهاد فخرجوا. قال ابن إسحاق: فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع فيه حياته، وروى أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: { لما مات أبو طالب تجهَّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم ما أسرع ما وجدت فقدك }. وفي الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وسلا جزورٍ قريب منه، فأخذه عقبة بن أبي معيط، فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً، حتى جاءت فاطمة فألقنه عن ظهره، فقال حينئذ: { اللهم عليك بالملأ من قريش }. وفي أفراد البخاري: أن عقبة بن أبي معيط أخذ يوماً بمنكبه صلى الله عليه وسلم ، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ رحمته صلى الله عليه وسلم بقومه: فلما اشتد الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام، فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى، ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، فقرر صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى مكة. قال صلى الله عليه وسلم : { انطلقت – يعني من الطائف – وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب – ميقات أهل نجد – فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – جبلان بمكة – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً } [متفق عليه]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في كل موسم، فيعرض نفسه على القبائل ويقول: { من يؤويني؟ من ينصرني؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي! }. ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر فدعاهم فأسلموا، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم، حتى فشا الإسلام فيهم، ثم كانت بيعة العقبة الأولى والثانية، وكانت سراً، فلما تمت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالاً. هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر إلى المدينة فتوجه إلى غار ثور، فأقاما فيه ثلاثاً، وعني أمرهم على قريش، ثم دخل المدينة فتلقاه أهلها بالرحب والسعة، فبنى فيها مسجده ومنزله. غزواته صلى الله عليه وسلم : عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون، لَيهَلِكُنَّ، فأنزل الله عز وجل: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } [الحج:39]. وهي أول آية نزلت في القتال. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً وعشرين غزاة، قاتل منها في تسع: بدر، وأحد، والريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وبعثَ ستاً وخمسين سرية. حج النبي صلى الله عليه وسلم واعتماره : لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع. فالأولى عمرة الحديبية التي صدّه المشركون عنها. والثانية عمرة القضاء، والثالثة عمرة الجعرانة، والرابعة عمرته مع حجته. صفته صلى الله عليه وسلم : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون - أي أبيض بياضاً مشرباً بحمرة - أشعر، أدعج العينين –أي شديد سوادهما – أجرد –أي لا يغطي الشعر صدره وبطنه -، ذو مَسرُبه – أي له شعر يكون في وسط الصدر والبطن. أخلاقه صلى الله عليه وسلم : كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعاً، وأكرمهم عشرة، قال تعالى: { َإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ } [القلم:4]. وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأعف الناس وأكثرهم تواضعاً، وكان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، يقبل الهدية ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، ولا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه، وكان صلى الله عليه وسلم يأكل ما وجد، ولا يدُّ ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضره، وكان لا يأكل متكئاً ولا على خوان، وكان يمر به الهلال ثم الهلال ثم الهلال، وما يوقد في أبياته صلى الله عليه وسلم نار، وكان صلى الله عليه وسلم يجالس الفقراء والمساكين ويعود المرضى ويمشي في الجنائز. وكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، ويضحك من غير قهقهة، وكان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، وقال: { خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي } [الترمذي وصححه الألباني]، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله، ألا فعلت كذا!!. وما زال صلى الله عليه وسلم يلطف بالخلق ويريهم المعجزات، فانشق له القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وحنَّ إليه الجذع، وشكا إليه الجمل، وأخبر بالغيوب فكانت كما قال. فضله صلى الله عليه وسلم : عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس كافة } [متفق عليه]. وفي أفراد مسلم من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { أنا أول الناس يشفع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة }. وفي أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشقُّ عنه القبر، وأول شافع وأول مُشفع }. عبادته ومعيشته صلى الله عليه وسلم : قالت عائشة رضي الله عنها: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه، فقيل له في ذلك، فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً } [متفق عليه]، وقالت: وكان مضجعه الذي ينام عليه في الليل من أَدَمَ محشوّاً ليفاً!! وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظلُّ اليوم يَلتَوي ما يجد دِقْلاً يملأ بطنه – والدقل ردئ التمر -!! ما ضره من الدنيا ما فات وهو سيد الأحياء والأموات، فالحمد لله الذي جعلنا من أمته، ووفقنا الله لطاعته، وحشرنا على كتابه وسنته آمين، آمين. من أهم الأحداث: الإسراء والمعراج : وكان قبل الهجرة بثلاث سنين وفيه فرضت الصلاة. السنة الأولى : الهجرة - بناء المسجد - الانطلاق نحو تأسيس الدولة - فرض الزكاة. السنة الثانية : غزوة بدر الكبرى وفيها أعز الله المؤمنين ونصرهم على عدوهم. السنة الثالثة : غزوة أحد وفيها حدثت الهزيمة بسبب مخالفة تعليمات النبي صلى الله عليه وسلم ونظر الجنود إلى الغنائم. السنة الرابعة : غزوة بني النضير وفيها أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير عن المدينة لأنهم نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين. السنة الخامسة : غزوة بني المصطلق وغزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة. السنة السادسة : صلح الحديبية، وفي هذه السنة حُرّمت الخمر تحريماً قاطعاً. السنة السابعة : غزوة خيبر، وفي هذه السنة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مكة واعتمروا، وفيها أيضاً تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حُيَيّ. السنة الثامنة : غزوة مؤتة بين المسلمين والروم، وفتح مكة وغزوة حُنين ضد قبائل هوازن وثقيف. السنة التاسعة : غزوة تبوك وهي آخر غزواته صلى الله عليه وسلم ، وفي هذه السنة قدمت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وسمي هذا العام عام الوفود. السنة العاشرة : حجة الوداع، و حج فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة ألف مسلم. السنة الحادية عشرة : وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول مع اختلاف في تحديد هذا اليوم من الشهر. وتوفي صلى الله عليه وسلم وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون سنة قبل النبوة، وثلاث وعشرون سنة نبياً رسولاً، منها ثلاث عشرة سنة في مكة، وعشر سنين بالمدينة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. المصادر: - تهذيب الأسماء واللغات للنووي. - التبصرة والحدائق لابن الجوزي. - زاد المعاد لابن القيم. - السيرة النبوية للذهبي. - جوامع السيرة النبوية لابن حزم. - الفصول في سيرة الرسول (ابن كثير). - صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي. وأصلي على النبي الأكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وما كان من صواب فمن الله عز وجل وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان. |
ما هو الإسلام ؟
تعريف عام بدين الإسلام وما جاء به الرسل للعلامة عبد العزيز بن باز
الحمد لله رب
العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله
وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه
ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الله بعث نبيه محمدًا ﷺ بالهدى ودين الحق وهو الإسلام الذي بعث الله به الرسل جميعًا حيث قال : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
فالإسلام هو: دين الله الذي بعث به جميع المرسلين من أولهم نوح إلى آخرهم وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الذي كان عليه أبونا آدم، فإن الله بعثه لنفسه وذريته نبيًّا على شريعة علمه إياها وشرعها له فاستقام عليها وذريته حتى بعث الله نوحا عليه الصلاة والسلام.
فالإسلام هو استسلام لله وانقياد بطاعة أوامره وترك نواهيه هذا هو الإسلام.
وأصل دين الإسلام وأساسه هو توحيد الله ، وإخلاص العبادة له وحده ، هذا هو أصل دين الإسلام: أن تكون العبادة لله وحده من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك يكون لله وحده، وبهذا بعث الله الرسل جميعًا، كما قال : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]. ومعنى اُعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله (خصوه بالعبادة)، وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ يعني اتركوا عبادة ما سوى الله، والطاغوت كل ما عبد من دون الله من شجر أو حجر أو صنم أو كوكب أو غير ذلك، كله طاغوت.
لكن إذا كان المعبود لا يرضى بذلك كالأنبياء والملائكة والصالحين، فالطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم وزينها للناس وهم براء من ذلك.
فأصل دين الإسلام هو هذا: إخلاص العبادة لله وحده دون كل ما سواه والكفر بعبادة غيره، يعني إنكار عبادة غيره واعتقاد بطلانها وأنها شرك بالله .
هكذا بعث الله جميع الرسل، من أولهم نوح إلى آخرهم وخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، وهكذا علم الله آدم وشرع له، فعبدالله وحده، وهكذا ذريته على دينه عليه الصلاة والسلام، حتى وقع الشرك في بني آدم في عهد نوح عليه الصلاة والسلام.
وكل رسول بلغ أمته أنه مبعوث لهم ليأمرهم بتوحيد الله والإخلاص له. فنوح عليه السلام قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59].
وهكذا هود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وغيرهم، كلهم قالوا لقومهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65].
وهكذا موسى عليه الصلاة والسلام قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه:98]، وهكذا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام قال لقومه ذلك قال: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:117].
وهكذا محمد ﷺ لما بعثه الله قال لقومه: " اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ"، وكان يعلمهم ويقول لهم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا[1].
فهذه دعوة الرسل جميعًا، إنهم دعوا الأمم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، وتوجههم إليه سبحانه بجميع حاجاتهم، في توكلهم في خوفهم في رجائهم في طلب الجنة، وطلب النجاة من النار، وطلب الرزق، وطلب العافية، وهكذا يخافونه ويرجونه ويصلون له ويصومون ويذبحون وينذرون؛ يرجون ثوابه ويخشون عقابه.
ومكث محمد ﷺ في قومه في مكة عشر سنين، يدعوهم إلى توحيد الله قبل كل شيء، وينهاهم عن الشرك وهو التعلق بغير الله من الأشجار والأحجار والأصنام ونحو ذلك، ويقول لهم: يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا[2].
ومما ينبغي التنبيه عليه أن ما يتعلق بالأسباب الحسية ليس داخلا في الشرك ولا في منافاة التوحيد وهي ما يتعلق بالأسباب الحسية مع الناس الحاضرين الموجودين ليس من الشرك في شيء، فإذا قال الإنسان لأخيه أو لشخص آخر من الناس: افعل كذا، ساعدني في كذا، اعمل لي كذا، كأصلح سيارتي، اعمل في مزرعتي، أحضر لي كذا وكذا، احمل هذا الشيء الثقيل، وهو يقدر على ذلك ويعلم أنه يقدر على ذلك، هذه أمور حسية ليس فيها شرك وليس فيها محظور، وإنما المراد بدعوة الله وحده وخوفه ورجائه ونحو ذلك فيما لا تعلق له بالأسباب الحسية مع الحاضر القادر الموجود، فإذا كان شخص حاضر موجود فكلمه أخوه أو صاحبه أو من يحتاج إليه من الناس يقول له: افعل كذا وافعل كذا بأجر أو بغير أجر فليس هذا من الشرك، وليس هذا منافيا للتوحيد بل هذه أمور حسية جائزة، فعلها الرسل وفعلها المسلمون فليست من الشرك، فإذا قال: يا فلان افعل كذا، ادع الله لي، استغفر لي، ساعدني في كذا، أعني على كذا، مما هو يقدر عليه أو يسمعه، أو بمكاتبة أو بالهاتف عن طريق الهاتف أو التلكس، في أمور يقدر عليها، ليس هذا من الشرك.
إنما الشرك أن يدعو ميتا أو جمادا أو حيا يعتقد أنه يتصرف في الكون أو أن له قدرة وخاصية يتصرف في الكون دون الله، هذا هو الشرك الذي جاءت الرسل بالنهي عنه والتحذير منه، أما الأمور الحسية المعلومة التي يفعلها الإنسان مع الشخص الآخر الحاضر الحي الذي يقدر عليها بالمشافهة أو من طريق الكتابة أو التلكس أو الهاتف فهذه أمور جائزة حسية لا محظور فيها وليست من الشرك في شيء، كما قال الله تعالى في سورة القصص: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15]. فينبغي التنبه لهذا؛ لأن بعض الجهلة يشتبه عليه هذا الأمر.
ومما ينبغي أن يعلم أنه داخل في أصل الإسلام: الإيمان بمحمد ﷺ وأنه رسول الله بعثه الله إلى الناس عامة، وهكذا جميع المرسلين الماضين لا بد في صحة الإسلام واعتبار أن المنتسب إليه مسلم لا بد أن يقر ويؤمن بالرسل الماضين. ففي عهد نوح لا بد أن يؤمن بنوح، وفي عهد هود لا بد أن يؤمن بهود مع التوحيد لله والإخلاص لله وعبادته وحده. وفي عهد صالح كذلك، وفي عهد شعيب كذلك، وفي عهد إبراهيم كذلك، وفي عهد لوط كذلك، وفي عهد يوسف وإسحاق ويعقوب كذلك، وهكذا في عهد موسى وهارون اللذين أنزل الله عليهما التوراة، لا بد من الإيمان بهما مع توحيد الله والإخلاص له واعتقاد أن موسى وهارون أنبياء من أنبياء الله ورسل الله، فلو وحد الله وعبده وحده وأدى أمره ولكن لم يؤمن بالأنبياء ما صح إسلامه.
ثم بعد بعث عيسى كذلك، لما بعث الله عيسى ابن مريم فلا بد من الإيمان به، فاليهود الذين لم يؤمنوا بعيسى صاروا كفارا؛ لأنهم ما آمنوا بعيسى ولو وحدوا الله ولو عبدوه ولو صاموا وصلوا ما يكونون مسلمين، حتى يؤمنوا بالرسول الذي أدركوه وعلموا أنه جاء من عند الله، لا بد من الإيمان به كعيسى عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد عيسى لما جاء محمد ﷺ وجب الإيمان بمحمد، ومن لم يؤمن به فهو كافر ولو آمن بجميع الرسل الماضين، لا بد من الإيمان بمحمد ﷺ وبما بعثه الله به إلى الناس عامة من الجن والإنس، لا بد من توحيد الله وإخلاص العبادة لله، لا بد من الإيمان بجميع المرسلين، ومن جملتهم خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، لا بد من الإيمان به واعتقاد أنه رسول الله حقا إلى الجن والإنس (إلى جميع الثقلين) وأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي، فلا يثبت الإسلام إلا بهذا في حق من كان بعد محمد ﷺ (من كان في عصره أو بعده) فلا يكون مسلما إلا بإيمانه بجميع الأنبياء من عهد آدم إلى محمد ﷺ.
لا بد من الإيمان بهم واعتقاد أنهم صادقون، وأنهم أنبياء الله وأوحى الله إليهم وبلغوا ما أوحي إليهم، بلغوه وأدوا الأمانة ونصحوا الأمة ولم يقصروا، لا بد من الإيمان بهذا وخاتمهم محمد ﷺ.
لا بد من الإيمان بأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وأدى ما عليه، عليه الصلاة والسلام، حتى توفاه الله، وأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي، وأنه مبعوث إلى الثقلين الجن والإنس، فعلى جميع الثقلين من المكلفين أن يؤمنوا به وأن يتبعوا شريعته عليه الصلاة والسلام. فلا يكونون مسلمين ولا يكون هناك إسلام إلا بهذا. يقول الله سبحانه: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136].
بين سبحانه أن الواجب على المكلفين من هذه الأمة أن يقولوا هذا، يعني أن يؤمنوا بجميع المرسلين وما جاءوا به، وقال : وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:156، 157]
ثم قال: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وفي آية أخرى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] فدل ذلك على أن الرسل يجب الإيمان بهم جميعًا، وأن الله أرسلهم مبشرين ومنذرين، كما قال سبحانه: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [النساء:165] وهم رسل إلى الخلق، كل رسول إلى قومه لينذرهم ويبشرهم، يبشرهم بالجنة إذا أطاعوا واستقاموا وينذرهم بالنار إذا لم يستجيبوا، وهكذا محمد ﷺ، أرسله الله بشيرا ونذيرا يبشر الأمة إذا استجابوا لدعوته بالجنة والسعادة والعز والتمكين، وينذرهم النار والخيبة والخسران والذل والهوان إذا خالفوا أمره ولم يستقيموا على ما جاء به عليه الصلاة والسلام.
فعلم بهذا أن الواجب تصديق جميع المرسلين والإيمان بهم، وأن على من أدرك محمدًا ﷺ، أن يؤمن به وأن يصدقه وأن ينقاد لشرعه، وبهذا يكون قد دخل في الإسلام؛ لأن الإسلام انقياد لأمر الله وتصديق له ولهذا قيل له إسلام: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19] يعني انقيادا، يقال: أسلم فلان لفلان انقاد له وذل له وأطاع أمره.
فالمسلمون هم المنقادون لأمر الله المطيعون لأمر الله الذي جاء به نبيه محمد ﷺ، ودل عليه كتابه القرآن، فلا يكون إسلام إلا بهذا، لا يكونون مسلمين ولا يكون لهم إسلام إلا بهذا، يعني إلا بتصديقهم بالرسل الماضين وإيمانهم بما جاءوا به وتصديقهم محمدًا ﷺ وإيمانهم به وانقيادهم لما جاء به من الشرع المطهر عن محبة وعن إخلاص وعن صدق وعن رغبة ورهبة لا عن كذب ولا عن رياء ولا عن نفاق.
وكل رسول من رسل الله عليهم الصلاة والسلام، كل رسول بلغ أمته كل خير يعلمه لهم ونصحهم في ذلك وأرشدهم، كما أنه بلغهم كل شر يعلمه لهم. هكذا كل رسول؛ لأن الرسل أنصح الناس وأكثرهم وأكملهم إيمانا، فكل رسول بلغ أمته ودعاها إلى كل خير يعلمه لها في دينها ودنياها ونهاها عن كل شر يعلمه لها في دينها ودنياها. كما ثبت عن رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام أنه قال: ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم[3]. خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
هكذا نبينا محمد ﷺ بلغ هذه الأمة كل ما يعلمه لهم من خير، وأنذرهم كل ما يعلمه لهم من شر، فدعاهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وأنذرهم سيئ الأخلاق وسيئ الأعمال، كالرسل قبله عليهم الصلاة والسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق[4]، وفي اللفظ الآخر: لأتمم مكارم الأخلاق فبعثه الله ليدعو الناس إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وينذرهم سيئ الأخلاق وسيئ الأعمال.
وكانت الرسل عليهم الصلاة والسلام إذا بينوا للناس صفة ربهم وخالقهم وتوحيده والإخلاص له والإيمان بالمرسلين بلغوهم أيضًا ما أعد الله لهم في الجنة، وما أعد لمن عصاه في النار. هذا كله من تمام العقيدة التي هي عقيدة الإسلام، فالرسل يبينون مع بيانهم حق الله وتوحيده وبيانهم صفاته سبحانه وأسمائه مع ذلك يبينون ما يلزم في العقيدة من الإيمان بملائكة الله التي خلقها لعبادته، وهم من النور خلقهم من النور كلهم عبيد مكرمون كما قال تعالى: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء:26]، فالله خلقهم ليعبدوه ويطيعوه وخلقهم من النور وجعلهم ينفذون أوامره في عباده، فالرسل بلغوا عنهم حتى يؤمن بهم العباد وأنهم ملائكة كرام، خلقهم الله لطاعته وتنفيذ أوامره من النور، وخلق بنو آدم من الطين، وخلقت الجن من النار، وهم أصناف ثلاثة: الملائكة من النور، والجن من النار، وبنو آدم من التراب.
فالرسل بينوا هذا وجاءت بذلك الكتب السماوية: كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وبينت الرسل أيضًا ما يتعلق بالكتب المنزلة من التوراة والإنجيل وغيرها.
وبينوا أيضًا مع ما يتبع ذلك من أمر الآخرة والبعث والنشور والحساب والجزاء والوقوف بين يدي الله يوم القيامة، وأن الناس يخرجون من قبورهم ويجازون بأعمالهم، فمن أطاع واتبع ما جاءت به الرسل فله الجنة يوم القيامة، وهي دار كريمة، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، دار أعدها الله لأهل طاعته، فيها كل خير، وكل نعيم، وفيها حياة دائمة، لا كدر فيها، ولا مرض، ولا موت، ولا حزن، بل نعيم دائم، ولا بول وغائط بل نعيم دائم، وحياة دائمة لمن اتقى الله وأطاع الرسل. وهناك دار أخرى هي دار النار (دار الهوان، دار العذاب) أعدها الله لمن خالف الرسل ولم ينقد لما جاءوا به ولم يتبع الرسل، هؤلاء لهم الدار الأخرى وهي: دار الهوان، دار العذاب، دار النكال، أهلها في عذاب دائم لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36]، أما أهل الجنة فهم في نعيم دائم وخير دائم وصحة دائمة كما قال : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:45-48].
وفي النار قال: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:74-77]، أي مقيمون في دار الهون (دار النار) وقال في الآية الأخرى: لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36]، وقال عنهم أيضًا سبحانه: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا [طه:74].
فالله سبحانه بين على أيدي الرسل مصير المتقين المتبعين للرسل وهو الجنة والكرامة في دار أعدها الله لهم فيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من الأنهار والحور العين واللحوم والمشارب الطيبة والملابس الطيبة إلى غير ذلك من أنواع النعيم.
وأعد دارا أخرى بينها الرسل وبينها الله في كتبه، هي دار الهوان، هي دار الشقاء والعذاب، هذه الدار أعدت لمن خالف الرسل ولم يتبع ما جاءوا به، فلا يتم الإسلام إلا بهذا الإيمان، ولا يتم الإسلام ولا يكون العبد مسلما سواء كان رجلا أو امرأة إلا بهذا الإيمان. الإيمان بالبعث والنشور والحساب والجزاء والجنة والنار، وأن الجنة أعدها الله لمن اتبع الرسل، والنار أعدها الله لمن خالفهم.
ومن تمام هذه الأصول التي يجب الإيمان بها، وجاءت بها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، من تمام هذه الأصول: الإيمان بالقدر، وأن الله علم الأشياء قبل وجودها، وكتبها عنده ، وأحصاها، وأنه خالق الأشياء وموجدها، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، هذا قدر يشمل أمورا أربعة:
الإيمان بأن الله علم كل شيء قبل وجود الأشياء وكتبها عنده ، وهو الخالق لما أوجد منها بمشيئته وقدرته، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهذه أمور أربعة كلها تابعة للقدر:
1- الإيمان بأن الله سبحانه علم كل شيء، وهو العالم بجميع ما كان وما يكون إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [العنكبوت:62]. لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12].
2- كتابته لهذه الأشياء، فقد كتب كل شيء ، كما قال : أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ [الحج:70]. وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22].
3- أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:112].
4- أنه خالق الأشياء وموجدها، : اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]
هذا كله داخل في الإيمان بالقدر، وهو أصل ثابت من أصول الإيمان التي تقدم شرحها، وقد أخبر النبي عن هذا لما سأله جبرائيل عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر[5]، اليوم الآخر تقدم أنه أخبر فيه عن الوقوف بين يدي الله والحساب والجزاء والجنة والنار، كل هذا داخل في اليوم الآخر وبالقدر خيره وشره[6] يعني: أن الله علم الأشياء وكتبها وأحصاها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهو خالق كل شيء ورب كل شيء.
هذه الأصول الستة لا بد في حق المسلم أن يؤمن بها ويقتنع بها، وأنه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم .
ولما أخبر النبي ﷺ الصحابة بالقدر، وأن الله كتب كل شيء. سألوه قالوا: يا رسول الله إذا كان الله كتب كل شيء ففيم العمل؟ قال عليه الصلاة والسلام: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فميسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ عليه الصلاة والسلام قوله تعالى في سورة والليل إذا يغشى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10][7].
هكذا بين لهم ﷺ، والمعنى: أن الله قدر الأشياء وكتبها، وأنه سبحانه الموفق والهادي لمن يشاء. فعلى العبد أن يعمل ويجتهد ويسأل الله التوفيق، ويأخذ بالخير، لأن الله تعالى أعطاه عقلا يميز به بين الخير والشر، والهدى والضلال، وميزه عن البهائم بهذا العقل العظيم، فعليه أن يختار وله مشيئة وله إرادة، فعليه أن يختار الخير، ويسأل ربه الهداية إليه ويأخذ به، وعليه أن يبتعد عن الشر، ويسأل ربه العافية منه ويحذره ويحذر غيره.
هكذا أمر الله تعالى العباد على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام أن يأخذوا بالخير ويلتزموه، ويسألوا الله الهداية له والتوفيق لأخذه والتمسك به، وعليهم أن يحذروا الشر ويبتعدوا عنه، ويسألوا الله العافية منه، هكذا علمهم ﷺ.
ونكتفي في هذه الحلقة بهذا التعريف العام عن الإسلام، وفي الحلقة الأخرى -إن شاء الله- يكون فيه البحث عن شرائع الإسلام التي جاءت بها الرسل وعلموها الناس بعدما أخبروهم بالعقيدة التي يلزمهم أن يعتقدوها في الله ، وفيما أخبرت به الرسل عليهم الصلاة والسلام على وجه عام.
أما التفصيل في الشرائع من الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وغيرها من الشرائع، وما شرعه الله من ترك المحارم، هذا له حلقة أخرى -إن شاء الله تعالى- نبين فيها جنس الشرائع، وأن الرسل بدأت بالعقائد التي تتعلق بالقلوب وبالإيمان، ثم بينوا شرائع الإسلام التي جاءت بها الرسل، وبينوها لهم عن أمر الله ، ليعملوا بها ويأخذوا بها، وهي ما بين أفعال وأقوال يأخذ بها المكلف، وبين أعمال وأقوال يتركها.
فالشرائع: أفعال وتروك، أشياء تفعل، وأشياء تترك. وجاء محمد ﷺ بأكملها وأتمها، وبعثه بما يتمم مكارم الأخلاق، ويأتي البحث فيها -إن شاء الله- في الحلقة الآتية.
وأسأل الله سبحانه أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا، وأن يهدينا صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه[8].
أما بعد: فإن الله بعث نبيه محمدًا ﷺ بالهدى ودين الحق وهو الإسلام الذي بعث الله به الرسل جميعًا حيث قال : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
فالإسلام هو: دين الله الذي بعث به جميع المرسلين من أولهم نوح إلى آخرهم وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الذي كان عليه أبونا آدم، فإن الله بعثه لنفسه وذريته نبيًّا على شريعة علمه إياها وشرعها له فاستقام عليها وذريته حتى بعث الله نوحا عليه الصلاة والسلام.
فالإسلام هو استسلام لله وانقياد بطاعة أوامره وترك نواهيه هذا هو الإسلام.
وأصل دين الإسلام وأساسه هو توحيد الله ، وإخلاص العبادة له وحده ، هذا هو أصل دين الإسلام: أن تكون العبادة لله وحده من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك يكون لله وحده، وبهذا بعث الله الرسل جميعًا، كما قال : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]. ومعنى اُعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله (خصوه بالعبادة)، وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ يعني اتركوا عبادة ما سوى الله، والطاغوت كل ما عبد من دون الله من شجر أو حجر أو صنم أو كوكب أو غير ذلك، كله طاغوت.
لكن إذا كان المعبود لا يرضى بذلك كالأنبياء والملائكة والصالحين، فالطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم وزينها للناس وهم براء من ذلك.
فأصل دين الإسلام هو هذا: إخلاص العبادة لله وحده دون كل ما سواه والكفر بعبادة غيره، يعني إنكار عبادة غيره واعتقاد بطلانها وأنها شرك بالله .
هكذا بعث الله جميع الرسل، من أولهم نوح إلى آخرهم وخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، وهكذا علم الله آدم وشرع له، فعبدالله وحده، وهكذا ذريته على دينه عليه الصلاة والسلام، حتى وقع الشرك في بني آدم في عهد نوح عليه الصلاة والسلام.
وكل رسول بلغ أمته أنه مبعوث لهم ليأمرهم بتوحيد الله والإخلاص له. فنوح عليه السلام قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59].
وهكذا هود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وغيرهم، كلهم قالوا لقومهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65].
وهكذا موسى عليه الصلاة والسلام قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه:98]، وهكذا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام قال لقومه ذلك قال: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:117].
وهكذا محمد ﷺ لما بعثه الله قال لقومه: " اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ"، وكان يعلمهم ويقول لهم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا[1].
فهذه دعوة الرسل جميعًا، إنهم دعوا الأمم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، وتوجههم إليه سبحانه بجميع حاجاتهم، في توكلهم في خوفهم في رجائهم في طلب الجنة، وطلب النجاة من النار، وطلب الرزق، وطلب العافية، وهكذا يخافونه ويرجونه ويصلون له ويصومون ويذبحون وينذرون؛ يرجون ثوابه ويخشون عقابه.
ومكث محمد ﷺ في قومه في مكة عشر سنين، يدعوهم إلى توحيد الله قبل كل شيء، وينهاهم عن الشرك وهو التعلق بغير الله من الأشجار والأحجار والأصنام ونحو ذلك، ويقول لهم: يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا[2].
ومما ينبغي التنبيه عليه أن ما يتعلق بالأسباب الحسية ليس داخلا في الشرك ولا في منافاة التوحيد وهي ما يتعلق بالأسباب الحسية مع الناس الحاضرين الموجودين ليس من الشرك في شيء، فإذا قال الإنسان لأخيه أو لشخص آخر من الناس: افعل كذا، ساعدني في كذا، اعمل لي كذا، كأصلح سيارتي، اعمل في مزرعتي، أحضر لي كذا وكذا، احمل هذا الشيء الثقيل، وهو يقدر على ذلك ويعلم أنه يقدر على ذلك، هذه أمور حسية ليس فيها شرك وليس فيها محظور، وإنما المراد بدعوة الله وحده وخوفه ورجائه ونحو ذلك فيما لا تعلق له بالأسباب الحسية مع الحاضر القادر الموجود، فإذا كان شخص حاضر موجود فكلمه أخوه أو صاحبه أو من يحتاج إليه من الناس يقول له: افعل كذا وافعل كذا بأجر أو بغير أجر فليس هذا من الشرك، وليس هذا منافيا للتوحيد بل هذه أمور حسية جائزة، فعلها الرسل وفعلها المسلمون فليست من الشرك، فإذا قال: يا فلان افعل كذا، ادع الله لي، استغفر لي، ساعدني في كذا، أعني على كذا، مما هو يقدر عليه أو يسمعه، أو بمكاتبة أو بالهاتف عن طريق الهاتف أو التلكس، في أمور يقدر عليها، ليس هذا من الشرك.
إنما الشرك أن يدعو ميتا أو جمادا أو حيا يعتقد أنه يتصرف في الكون أو أن له قدرة وخاصية يتصرف في الكون دون الله، هذا هو الشرك الذي جاءت الرسل بالنهي عنه والتحذير منه، أما الأمور الحسية المعلومة التي يفعلها الإنسان مع الشخص الآخر الحاضر الحي الذي يقدر عليها بالمشافهة أو من طريق الكتابة أو التلكس أو الهاتف فهذه أمور جائزة حسية لا محظور فيها وليست من الشرك في شيء، كما قال الله تعالى في سورة القصص: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15]. فينبغي التنبه لهذا؛ لأن بعض الجهلة يشتبه عليه هذا الأمر.
ومما ينبغي أن يعلم أنه داخل في أصل الإسلام: الإيمان بمحمد ﷺ وأنه رسول الله بعثه الله إلى الناس عامة، وهكذا جميع المرسلين الماضين لا بد في صحة الإسلام واعتبار أن المنتسب إليه مسلم لا بد أن يقر ويؤمن بالرسل الماضين. ففي عهد نوح لا بد أن يؤمن بنوح، وفي عهد هود لا بد أن يؤمن بهود مع التوحيد لله والإخلاص لله وعبادته وحده. وفي عهد صالح كذلك، وفي عهد شعيب كذلك، وفي عهد إبراهيم كذلك، وفي عهد لوط كذلك، وفي عهد يوسف وإسحاق ويعقوب كذلك، وهكذا في عهد موسى وهارون اللذين أنزل الله عليهما التوراة، لا بد من الإيمان بهما مع توحيد الله والإخلاص له واعتقاد أن موسى وهارون أنبياء من أنبياء الله ورسل الله، فلو وحد الله وعبده وحده وأدى أمره ولكن لم يؤمن بالأنبياء ما صح إسلامه.
ثم بعد بعث عيسى كذلك، لما بعث الله عيسى ابن مريم فلا بد من الإيمان به، فاليهود الذين لم يؤمنوا بعيسى صاروا كفارا؛ لأنهم ما آمنوا بعيسى ولو وحدوا الله ولو عبدوه ولو صاموا وصلوا ما يكونون مسلمين، حتى يؤمنوا بالرسول الذي أدركوه وعلموا أنه جاء من عند الله، لا بد من الإيمان به كعيسى عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد عيسى لما جاء محمد ﷺ وجب الإيمان بمحمد، ومن لم يؤمن به فهو كافر ولو آمن بجميع الرسل الماضين، لا بد من الإيمان بمحمد ﷺ وبما بعثه الله به إلى الناس عامة من الجن والإنس، لا بد من توحيد الله وإخلاص العبادة لله، لا بد من الإيمان بجميع المرسلين، ومن جملتهم خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، لا بد من الإيمان به واعتقاد أنه رسول الله حقا إلى الجن والإنس (إلى جميع الثقلين) وأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي، فلا يثبت الإسلام إلا بهذا في حق من كان بعد محمد ﷺ (من كان في عصره أو بعده) فلا يكون مسلما إلا بإيمانه بجميع الأنبياء من عهد آدم إلى محمد ﷺ.
لا بد من الإيمان بهم واعتقاد أنهم صادقون، وأنهم أنبياء الله وأوحى الله إليهم وبلغوا ما أوحي إليهم، بلغوه وأدوا الأمانة ونصحوا الأمة ولم يقصروا، لا بد من الإيمان بهذا وخاتمهم محمد ﷺ.
لا بد من الإيمان بأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وأدى ما عليه، عليه الصلاة والسلام، حتى توفاه الله، وأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي، وأنه مبعوث إلى الثقلين الجن والإنس، فعلى جميع الثقلين من المكلفين أن يؤمنوا به وأن يتبعوا شريعته عليه الصلاة والسلام. فلا يكونون مسلمين ولا يكون هناك إسلام إلا بهذا. يقول الله سبحانه: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136].
بين سبحانه أن الواجب على المكلفين من هذه الأمة أن يقولوا هذا، يعني أن يؤمنوا بجميع المرسلين وما جاءوا به، وقال : وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:156، 157]
ثم قال: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وفي آية أخرى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] فدل ذلك على أن الرسل يجب الإيمان بهم جميعًا، وأن الله أرسلهم مبشرين ومنذرين، كما قال سبحانه: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [النساء:165] وهم رسل إلى الخلق، كل رسول إلى قومه لينذرهم ويبشرهم، يبشرهم بالجنة إذا أطاعوا واستقاموا وينذرهم بالنار إذا لم يستجيبوا، وهكذا محمد ﷺ، أرسله الله بشيرا ونذيرا يبشر الأمة إذا استجابوا لدعوته بالجنة والسعادة والعز والتمكين، وينذرهم النار والخيبة والخسران والذل والهوان إذا خالفوا أمره ولم يستقيموا على ما جاء به عليه الصلاة والسلام.
فعلم بهذا أن الواجب تصديق جميع المرسلين والإيمان بهم، وأن على من أدرك محمدًا ﷺ، أن يؤمن به وأن يصدقه وأن ينقاد لشرعه، وبهذا يكون قد دخل في الإسلام؛ لأن الإسلام انقياد لأمر الله وتصديق له ولهذا قيل له إسلام: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19] يعني انقيادا، يقال: أسلم فلان لفلان انقاد له وذل له وأطاع أمره.
فالمسلمون هم المنقادون لأمر الله المطيعون لأمر الله الذي جاء به نبيه محمد ﷺ، ودل عليه كتابه القرآن، فلا يكون إسلام إلا بهذا، لا يكونون مسلمين ولا يكون لهم إسلام إلا بهذا، يعني إلا بتصديقهم بالرسل الماضين وإيمانهم بما جاءوا به وتصديقهم محمدًا ﷺ وإيمانهم به وانقيادهم لما جاء به من الشرع المطهر عن محبة وعن إخلاص وعن صدق وعن رغبة ورهبة لا عن كذب ولا عن رياء ولا عن نفاق.
وكل رسول من رسل الله عليهم الصلاة والسلام، كل رسول بلغ أمته كل خير يعلمه لهم ونصحهم في ذلك وأرشدهم، كما أنه بلغهم كل شر يعلمه لهم. هكذا كل رسول؛ لأن الرسل أنصح الناس وأكثرهم وأكملهم إيمانا، فكل رسول بلغ أمته ودعاها إلى كل خير يعلمه لها في دينها ودنياها ونهاها عن كل شر يعلمه لها في دينها ودنياها. كما ثبت عن رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام أنه قال: ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم[3]. خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
هكذا نبينا محمد ﷺ بلغ هذه الأمة كل ما يعلمه لهم من خير، وأنذرهم كل ما يعلمه لهم من شر، فدعاهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وأنذرهم سيئ الأخلاق وسيئ الأعمال، كالرسل قبله عليهم الصلاة والسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق[4]، وفي اللفظ الآخر: لأتمم مكارم الأخلاق فبعثه الله ليدعو الناس إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وينذرهم سيئ الأخلاق وسيئ الأعمال.
وكانت الرسل عليهم الصلاة والسلام إذا بينوا للناس صفة ربهم وخالقهم وتوحيده والإخلاص له والإيمان بالمرسلين بلغوهم أيضًا ما أعد الله لهم في الجنة، وما أعد لمن عصاه في النار. هذا كله من تمام العقيدة التي هي عقيدة الإسلام، فالرسل يبينون مع بيانهم حق الله وتوحيده وبيانهم صفاته سبحانه وأسمائه مع ذلك يبينون ما يلزم في العقيدة من الإيمان بملائكة الله التي خلقها لعبادته، وهم من النور خلقهم من النور كلهم عبيد مكرمون كما قال تعالى: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء:26]، فالله خلقهم ليعبدوه ويطيعوه وخلقهم من النور وجعلهم ينفذون أوامره في عباده، فالرسل بلغوا عنهم حتى يؤمن بهم العباد وأنهم ملائكة كرام، خلقهم الله لطاعته وتنفيذ أوامره من النور، وخلق بنو آدم من الطين، وخلقت الجن من النار، وهم أصناف ثلاثة: الملائكة من النور، والجن من النار، وبنو آدم من التراب.
فالرسل بينوا هذا وجاءت بذلك الكتب السماوية: كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وبينت الرسل أيضًا ما يتعلق بالكتب المنزلة من التوراة والإنجيل وغيرها.
وبينوا أيضًا مع ما يتبع ذلك من أمر الآخرة والبعث والنشور والحساب والجزاء والوقوف بين يدي الله يوم القيامة، وأن الناس يخرجون من قبورهم ويجازون بأعمالهم، فمن أطاع واتبع ما جاءت به الرسل فله الجنة يوم القيامة، وهي دار كريمة، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، دار أعدها الله لأهل طاعته، فيها كل خير، وكل نعيم، وفيها حياة دائمة، لا كدر فيها، ولا مرض، ولا موت، ولا حزن، بل نعيم دائم، ولا بول وغائط بل نعيم دائم، وحياة دائمة لمن اتقى الله وأطاع الرسل. وهناك دار أخرى هي دار النار (دار الهوان، دار العذاب) أعدها الله لمن خالف الرسل ولم ينقد لما جاءوا به ولم يتبع الرسل، هؤلاء لهم الدار الأخرى وهي: دار الهوان، دار العذاب، دار النكال، أهلها في عذاب دائم لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36]، أما أهل الجنة فهم في نعيم دائم وخير دائم وصحة دائمة كما قال : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:45-48].
وفي النار قال: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:74-77]، أي مقيمون في دار الهون (دار النار) وقال في الآية الأخرى: لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36]، وقال عنهم أيضًا سبحانه: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا [طه:74].
فالله سبحانه بين على أيدي الرسل مصير المتقين المتبعين للرسل وهو الجنة والكرامة في دار أعدها الله لهم فيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من الأنهار والحور العين واللحوم والمشارب الطيبة والملابس الطيبة إلى غير ذلك من أنواع النعيم.
وأعد دارا أخرى بينها الرسل وبينها الله في كتبه، هي دار الهوان، هي دار الشقاء والعذاب، هذه الدار أعدت لمن خالف الرسل ولم يتبع ما جاءوا به، فلا يتم الإسلام إلا بهذا الإيمان، ولا يتم الإسلام ولا يكون العبد مسلما سواء كان رجلا أو امرأة إلا بهذا الإيمان. الإيمان بالبعث والنشور والحساب والجزاء والجنة والنار، وأن الجنة أعدها الله لمن اتبع الرسل، والنار أعدها الله لمن خالفهم.
ومن تمام هذه الأصول التي يجب الإيمان بها، وجاءت بها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، من تمام هذه الأصول: الإيمان بالقدر، وأن الله علم الأشياء قبل وجودها، وكتبها عنده ، وأحصاها، وأنه خالق الأشياء وموجدها، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، هذا قدر يشمل أمورا أربعة:
الإيمان بأن الله علم كل شيء قبل وجود الأشياء وكتبها عنده ، وهو الخالق لما أوجد منها بمشيئته وقدرته، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهذه أمور أربعة كلها تابعة للقدر:
1- الإيمان بأن الله سبحانه علم كل شيء، وهو العالم بجميع ما كان وما يكون إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [العنكبوت:62]. لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12].
2- كتابته لهذه الأشياء، فقد كتب كل شيء ، كما قال : أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ [الحج:70]. وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22].
3- أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:112].
4- أنه خالق الأشياء وموجدها، : اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]
هذا كله داخل في الإيمان بالقدر، وهو أصل ثابت من أصول الإيمان التي تقدم شرحها، وقد أخبر النبي عن هذا لما سأله جبرائيل عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر[5]، اليوم الآخر تقدم أنه أخبر فيه عن الوقوف بين يدي الله والحساب والجزاء والجنة والنار، كل هذا داخل في اليوم الآخر وبالقدر خيره وشره[6] يعني: أن الله علم الأشياء وكتبها وأحصاها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهو خالق كل شيء ورب كل شيء.
هذه الأصول الستة لا بد في حق المسلم أن يؤمن بها ويقتنع بها، وأنه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم .
ولما أخبر النبي ﷺ الصحابة بالقدر، وأن الله كتب كل شيء. سألوه قالوا: يا رسول الله إذا كان الله كتب كل شيء ففيم العمل؟ قال عليه الصلاة والسلام: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فميسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ عليه الصلاة والسلام قوله تعالى في سورة والليل إذا يغشى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10][7].
هكذا بين لهم ﷺ، والمعنى: أن الله قدر الأشياء وكتبها، وأنه سبحانه الموفق والهادي لمن يشاء. فعلى العبد أن يعمل ويجتهد ويسأل الله التوفيق، ويأخذ بالخير، لأن الله تعالى أعطاه عقلا يميز به بين الخير والشر، والهدى والضلال، وميزه عن البهائم بهذا العقل العظيم، فعليه أن يختار وله مشيئة وله إرادة، فعليه أن يختار الخير، ويسأل ربه الهداية إليه ويأخذ به، وعليه أن يبتعد عن الشر، ويسأل ربه العافية منه ويحذره ويحذر غيره.
هكذا أمر الله تعالى العباد على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام أن يأخذوا بالخير ويلتزموه، ويسألوا الله الهداية له والتوفيق لأخذه والتمسك به، وعليهم أن يحذروا الشر ويبتعدوا عنه، ويسألوا الله العافية منه، هكذا علمهم ﷺ.
ونكتفي في هذه الحلقة بهذا التعريف العام عن الإسلام، وفي الحلقة الأخرى -إن شاء الله- يكون فيه البحث عن شرائع الإسلام التي جاءت بها الرسل وعلموها الناس بعدما أخبروهم بالعقيدة التي يلزمهم أن يعتقدوها في الله ، وفيما أخبرت به الرسل عليهم الصلاة والسلام على وجه عام.
أما التفصيل في الشرائع من الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وغيرها من الشرائع، وما شرعه الله من ترك المحارم، هذا له حلقة أخرى -إن شاء الله تعالى- نبين فيها جنس الشرائع، وأن الرسل بدأت بالعقائد التي تتعلق بالقلوب وبالإيمان، ثم بينوا شرائع الإسلام التي جاءت بها الرسل، وبينوها لهم عن أمر الله ، ليعملوا بها ويأخذوا بها، وهي ما بين أفعال وأقوال يأخذ بها المكلف، وبين أعمال وأقوال يتركها.
فالشرائع: أفعال وتروك، أشياء تفعل، وأشياء تترك. وجاء محمد ﷺ بأكملها وأتمها، وبعثه بما يتمم مكارم الأخلاق، ويأتي البحث فيها -إن شاء الله- في الحلقة الآتية.
وأسأل الله سبحانه أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا، وأن يهدينا صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه[8].
- أخرجه الإمام أحمد، في مسند المكيين، حديث ربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه برقم 15593 بلفظ: ''يا أيها الناس...''، وابن حبان 14/ 6562
- أخرجه الإمام أحمد، في مسند المكيين، حديث ربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه برقم 15593 بلفظ: ''يا أيها الناس...''، وابن حبان 14/ 6562
- أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول برقم 1844.
- أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين، باقي مسند أبي هريرة برقم 8729.
- أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان برقم 8.
- صحيح مسلم، الإيمان (8)، سنن النسائي، الإيمان وشرائعه (4990)، سنن أبي داود، السنة (4695)، سنن ابن ماجه، المقدمة (63)، مسند أحمد (1/ 28).
- أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب (فسنيسره للعسرى)، برقم 4949، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه برقم 2647.
- كلمة توجيهية لسماحته صدرت برقم 2350/ خ في تاريخ 19/ 12/ 1419هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 28/ 76).
الخميس، 21 ديسمبر 2017
الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية
الاحتفال برأس السنة الميلادية د. نايف بن أحمد الحمد الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد ففي كل عام مثل هذا الوقت تنشط وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في كثير من الدول الإسلامية فضلا عن غيرها لنشر برامج احتفالات رأس السنة الميلادية ودعوة الناس للمشاركة فيها وتخصيص أماكن معينة للاحتفالات وتُزين الشوارع والأماكن العامة والخاصة بأنواع كثيرة ومتنوعة من أشكال الزينة مما يوجب على العلماء وطلبة العلم بيان حكم ذلك شرعا لذا فقد جمعت ما تيسر من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال أهل العلم ورتبتها مع إضافات يسيرة فأقول مستعينا بالله تعالى : أولاً: مما يعلم من الدين بالضرورة أن الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم الرسالة قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)(المائدة:3) ولا دين حق الآن غير الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم قال تعالى ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (آل عمران:19) وقال تعالى( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى :" يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يطلب دينا غير دين الإسلام لـيدين به، فلن يقبل الله منه، ( وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ) يقول: من البـاخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله عزّ وجلّ. وذُكر أن أهل كل ملة ادّعوا أنهم هم الـمسلـمون لـما نزلت هذه الآية، فأمرهم الله بـالـحجّ إن كانوا صادقـين، لأن من سنة الإسلام الـحجّ، فـامتنعوا، فأدحض الله بذلك حجتهم " ا.هـ التفسير 3/241 وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى : " وقوله تعالى ( إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإسْلَـٰمُ ) إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلّم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلّم، فمن لقي الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلّم بدين على غير شريعته فليس بمتقبل، كما قال تعالى: ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ) " ا.هـ التفسير 2/19 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ( تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير، فتجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الصيام، فيقول: أي يا رب أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال على ذلك فيقول الله عز وجلّ: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول الله عز وجلّ: إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطي، فقال الله عز وجلّ في كتابه: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) رواه أحمد (8678) وأبو يعلى (6236) قال الهيثمي :" وفيه: عباد بن راشد، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح " ا.هـ مجمع الزوائد 10/624 قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " فالإسلام دين أهل السموات ودين أهل التوحيد من أهل الأرض لا يقبل الله من أحد دينا سواه فأديان أهل الأرض ستة واحد للرحمن وخمسة للشيطان فدين الرحمن هو الإسلام والتي للشيطان اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة ودين المشركين "ا.هـ مدارج السالكين وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم معنى الإسلام بيانا شافيا فعن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه قال: كانَ النبي صلى الله عليه وسلّم بارِزاً يَوْماً للناسِ، فأتاهُ رَجُلٌ فقالَ: ما الإِيمانُ؟ قال: الإِيمانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلاَئِكتِهِ، وبِلقائه، وَرُسُلِهِ، وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ. قال: ما الإِسلامُ؟ قال: الإِسْلامُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ ولا تُشْرِكَ بهِ، وَتُقِيمَ الصلاةَ، وَتُؤَدّيَ الزكاةَ المَفْروضةَ، وتَصومَ رَمضانَ. قال: ما الإِحسانُ؟ قال: أنْ تَعْبُدَ اللَّهِ كأَنكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإِنهُ يراك. قال: مَتى الساعةُ ؟ قال: ما المسؤولُ عنها بأعلمَ مِنَ السائل. وسأُخبِرُكَ عنْ أشَراطها: إِذا وَلَدَت الأَمَةُ رَبها؛ وإِذَا تَطاوَلَ رُعاةُ الإِبلِ البُهْمِ في البُنْيانِ، في خَمْس لا يَعْلَمُهنَّ إلاَّ اللَّهُ. ثمَّ تَلا النبي صلى الله عليه وسلّم: ( إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَاعةِ) الآية. ثمَ أدْبَرَ. فقال رُدوهُ. فلم يَرَوا شَيئاً. فقال: هذا جِبْريلُ جاءَ يُعَلِّمُ الناسَ دِينَهُم " رواه البخاري ( 50) و عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ( بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ. شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَإِقَامِ الصلاَةِ. وَإِيتَاءِ الزكاةِ. وَحَجِّ الْبَيْتِ. وَصَوْمِ رَمَضَانَ ) رواه البخاري(8) ومسلم (79) وهذا الأمر شامل جميع الأمم من أهل الكتاب وغيرهم فمن لم يؤمن به عليه الصلاة والسلام ويتبعه فهو من أهل هذه الآية ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (البينة:6) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنهُ قَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمةِ يَهُودِي وَلاَ نَصْرَانِي ، ثُم يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النارِ ) رواه مسلم (341) . ثانيا : أن مما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أن أقواما من أمته ستقلد أهل الكتاب فيما يفعلونه فعن أبي سعيدٍ رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال لتتّبِعُن سَنَنَ من كان قبلَكم شِبراً بشِبرٍ وذِراعاً بذِراع، حتّى لو سَلَكوا جُحرَ ضَبٍّ لَسَلكتُموهُ. قلنا: يارسولَ الله، اليهودَ والنصارَى ؟ قال: فمَن ) رواه البخاري ( 3381) ومسلم (6732) ورواه الحاكم (8454)وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما وفي آخره: ( وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه ) قال المناوي : إسناده صحيح .تحفة الأحوذي 6/342 قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :" هذا خرج مخرج الخبر عن وقوع ذلك والذم لمن يفعله كما كان يخبر عما يفعل الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمة " ا.هـ فيض القدير 5/262 قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : " والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم، والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلّم "ا.هـ شرح صحيح مسلم 16/189تحفة الأحوذي 6/342 قال ابن كثير رحمه الله تعالى : " والمقصود من هذه الأخبار عما يقع من الأقوال والأفعال المنهي عنها شرعا مما يشابه أهل الكتاب قبلنا أن الله ورسوله ينهيان عن مشابهتهم في أقوالهم وأفعالهم حتى لو كان قصد المؤمن خيرا لكنه تشبه ففعله في الظاهر فعلهم "ا.هـ البداية والنهاية 2/142 قال المناوي رحمه الله تعالى : " وذا من معجزاته فقد اتبع كثير من أمته سنن فارس في شيمهم ومراكبهم وملابسهم وإقامة شعارهم في الحروب وغيرها وأهل الكتابين في زخرفة المساجد وتعظيم القبور حتى كاد أن يعبدها العوام وقبول الرشا وإقامة الحدود على الضعفاء دون الأقوياء وترك العمل يوم الجمعة " ا.هـ فيض القدير 5/262 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " ووقع في حديث عبدالله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح «لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها» " ا.هـ فتح الباري 15/235 وهذا التقليد قد بلغ مبلغا عظيما هذه الأزمنة بسبب التقدم التقني الذي أحرزه الغرب مما فتن كثيرا من المسلمين بهم وساعد في نشر ذلك سهولة نقل هذه الأمور من أقصى الغرب إلى جميع بلاد المسلمين في ثوان معدودة عبر وسائل الإعلام المتنوعة المرئية والمسموعة والشبكة العنكبوتية فالعالم اليوم أصبح بيتا واحدا وهذه الاحتفالات التي تحصل في مدن العالم يراها المسلم لحظة بلحظة ويتنقل من مدينة إلى أخرى كلمح بالبصر والله المستعان وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قال ( ويل للعرب من شر قد اقترب، فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذٍ بدينه كالقابض على الجمر، أو قال : على الشوك ) رواه أحمد (8982) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال الحسن بعد روايته للحديث : فواللّه لقد رأيناهم صوراً بلا عقول وأجساماً بلا أحلام فراشُ نارٍ وذبابُ طمعٍ يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين يبيع أحدهم دينه بثمن العنز . رواه عنه أحمد (18060) والحاكم (6317) ثالثا : لابد أن نعلم أن الأعياد في الإسلام عبادة من العبادات التي نتقرب بها إلى الله تعالى وأعياد المسلمين معروفة معلومة ثلاثة لا رابع لها عيد الجمعة وعيد الفطر وعيد الأضحى فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: ( إن يوم الجمعة يومُ عيد، فلا تجعلوا يومَ عيدكم يومَ صيامكم، إلاَّ أن تصوموا قبلَه أو بعدَه ) رواه أحمد (7983) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2512) وابن خزيمة (2155) وصححه الحاكم (1630). وعن أنَسٍ رضي الله عنه ، قال: « قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلعَبُونَ فيهِمَا فقال: ( مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ )؟ قالُوا: كُنا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِليةِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم: ( إنَّ الله قَدْ أبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا: يَوْمَ الأضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ ) رواه أحمد (11750) وأبو داود (1135) والحاكم (1124) وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح " ا.هـ البلوغ /93 فتح الباري 3/113 قال المجد ابن تيمية رحمه الله تعالى : الحديث يفيد حرمة التشبه بهم في أعيادهم لأنه لم يقرهما على العيدين الجاهليين ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة وقال أبدلكم والإبدال يقتضي ترك المبدل منه إذ لا يجتمع بين البدل أو المبدل منه ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا في ترك اجتماعهما ا.هـ فيض القدير 4/511 . رابعا : لنعلم أن مخالفة المشركين وأهل الكتاب مأمور به في شرعنا فعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( غَيِّروا الشَّيْبَ، ولا تَشَبهوا باليَهُودِ والنصَارَى ) رواه أحمد (8611) وأبو يعلى (5981) واللفظ لهما والترمذي ( 1753) وقال "حسن صحيح "وصححه ابن حبان (5376) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ( خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ. أَحْفُوا الشوَارِبَ وَأَوْفُوا اللِّحَى ) رواه مسلم (555) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ) جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى. خَالِفُوا الْمَجُوسَ ) رواه مسلم (556) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " وقد كان صلى الله عليه وسلّم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولاسيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضاً كما ثبت في الصحيح " ا.هـ فتح الباري 4/771 تحفة الأحوذي 3/397 وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " وقد دل الكتاب، وجاءت سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسنّة خلفائه الراشدين التي أجمع أهل العلم عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم " ا.هـ الفتاوى 25/327 أما من تشبه بهم في أعيادهم وغيرها فهو على خطر عظيم فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تَشَبَّه بقومٍ فهو منهم ) رواه أحمد (5106) وأبو داود (3040) وصححه ابن حبان قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " هذا إسناد جيد " ا.هـ اقتضاء الصراط المستقيم 1/240 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : أخرجه أبو داود بسند حسن . فتح الباري 11/443 قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " أقلُّ أحوالِهِ أنْ يقتضي تحريمَ التشبه. وإنْ كانَ ظاهرُهُ يقتضي كفرَ المتشبِّهِ بهمْ " ا.هـ الفروع 1/348 كشاف القناع 1/236 شرح منتهى الإرادات 1/149 وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وسر ذلك أن المشابهة في الـهَدْي الظاهِرِ ذريعةٌ إلى الموافقة في القصد والعمل " ا.هـ إعلام الموقعين 2/107 وقال رحمه الله تعالى : " ونهى عن التشبه بأهل الكتاب وغيرهم من الكفار في مواضع كثيرة، لأن المشابهة الظاهرة ذريعة إلى الموافقة الباطنة فإنه إذا أشبه الهدى الهدى أشبه القلب القلب " ا.هـ إغاثة اللهفان وقال الصنعاني رحمه الله تعالى : " والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم أو بالكفار أو المبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة، قالوا: فإذا تشبه بالكفار في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء منهم من قال: يكفر وهو ظاهر الحديث ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب " ا.هـ سبل السلام /2018 وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فإِذا كان هذا في التشبه بهم وإن كان في العادات فكيف التشبه بهم فيما هو أبلغ من ذلك؟ وقد كره جمهور الأئمة إما كراهة تحريم أو كراهة تنزيه أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم إدخالاً له فيما أهلَّ به لغير الله وما ذبح على النصُبِ، وكذلك نهوا عن معاونتهم على أعيادهم بإهداء أو مبايعة وقالوا: إنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم لا لحماً، ولا أدماً، ولا ثوباً، ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من دينهم لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم " ا.هـ الفتاوى 25/331 وقال ابن كثير رحمه الله تعالى : " فليس للمسلم أن يتشبه بهم لا في أعيادهم ولا مواسمهم ولا في عباداتهم لأن الله تعالى شرف هذه الأمة بخاتم الأنبياء الذي شرع له الدين العظيم القويم الشامل الكامل الذي لو كان موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة وعيسى بن مريم الذي أنزل عليه الإنجيل حيين لم يكن لهما شرع متبع بل لو كانا موجودين بل وكل الأنبياء لما ساغ لواحد منهم أن يكون على غير هذه الشريعة المطهرة المشرفة المكرمة المعظمة فإذا كان الله تعالى قد مَنَّ علينا بأن جعلنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يليق بنا أن نتشبه بقوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل قد بدلوا دينهم وحرفوه وأولوه حتى صار كأنه غير ما شرع لهم أولا ثم هو بعد ذلك كله منسوخ والتمسك بالمنسوخ حرام لا يقبل الله منه قليلا ولا كثيرا ولا فرق بينه وبين الذي لم يشرع بالكلية والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " ا.هـ البداية والنهاية 2/142 خامسا : الواجب علينا تجاه ما ذكرته أعلاه : 1/ أن يكون اليوم الأول من أيام السنة الميلادية وليلته كسائر أيام العام فلا نظهر فيه أي مظهر من مظاهر الاحتفال . 2/ أن يتفقد كل واحد منا أهله وأولاده خشية الوقوع في شيء من ذلك بسبب صحبة حثته عليه أو قناة دعته إليه أو حب استطلاع أو تقليد فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنهُ قَالَ: ( أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ. وَكُلُّكُمْ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيتِهِ. فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى الناسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيتِهِ. وَالرجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْهُمْ. وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْوولَةٌ عَنْهُمْ. وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ. أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ. وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري (882) ومسلم (4680) قال المناوي رحمه الله تعالى : " يعني كلكم مستلزم بحفظ ما يطالب به من العدل إن كان والياً ومن عدم الخيانة إن كان مولياً عليه (وكل) راع (مسؤول عن رعيته) في الآخرة فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقات ذلك فإن وفي ما عليه من الرعاية حصل لـه الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإلا طالبه كل أحد من رعيته بحقه في الآخرة " ا.هـ فيض القدير 5/38. 3/ أن لا نتبادل التهاني والهدايا بهذه المناسبة لا مع المسلمين ولا مع غيرهم ممن يحتفل بها خاصة ليلة مولد المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال ابن القيم رحمه الله تعالى " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممَن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت اللّه وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه وإن بُلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعاً لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيراً، ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك، وبالله التوفيق " ا.هـ أحكام أهل الذمة 1/441 4/ لا يجوز تعطيل الأعمال ذلك اليوم لا الدراسة ولا العمل الرسمي و الخاص . 5/ عدم الاتصال على البرامج المباشرة عبر القنوات الفضائية والإذاعية وإهداء الأغاني والتحيات وغيرها إلا من يتصل عليها على وجه الإنكار فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى اله عليه وسلم يَقُولُ: ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ. وَذلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ) رواه مسلم (140). 6/ على تجار المسلمين أن يتقوا الله تعالى وأن لا يبيعوا شيئا مما يُعين على إظهار هذه الشعيرة قال ابن الحاج رحمه الله تعالى : " لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانياً شيئاً من مصلحة عيده لا لحماً ولا أدماً ولا ثوباً ولا يعارون شيئاً ولو دابة إذ هو معاونة لهم على كفرهم وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك " ا.هـ فتاوى ابن حجر الهيتمي 4/238 اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين واحشرنا في زمرة سيد المرسلين محمد خاتم النبيين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين حرر في 19/12/1428هـ جمع وترتيب د. نايف بن أحمد الحمد
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
جمال الحياة في معرفة الله
جمال الحياة..في معرفة الله محمد بن مشعل العتيبي بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم ( أي شيء عرف من لم يعرف الله ورسله ، وأي...